في فلك : الفلك هو المدار الذي يدور فيه الكوكب ، سمي به لاستدارته كفلكة المغزل .
يسبحون : يسيرون ويدورون بانبساط وسهولة .
40 { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .
للشمس مدار تسبح وتجري فيه ، وللقمر مدار بعيد جدا عن مدار الشمس يسبح فيه ، وللأرض حركة حول نفسها ، وحركة حول الشمس ، ولكل من الشمس والقمر والأرض مجال خاص بكل واحد منها ، فهو يجري ويسبح ، وخلفه سائر مجموعته ، بسرعة هائلة ، وتقدير عظيم ، بحيث لا يصطدم أي كوكب بالآخر ، ولا يتوانى أي كوكب عن حركته ، فللشمس مجالها ، وللقمر مجاله ، وللأرض مجالها ، ولليل مجاله ، وللنهار مجاله .
ولا يتسنى للشمس أن تظهر ليلا فتطمس نور القمر ، أو تنير الليل ، ولا يتسنى لليل أن يتقدم عن موعده ليطمس نور النهار ، بل هما جديدان متتابعان ، يعقب النهار الليل ويعقب الليل النهار ، بدون تخلّف أو تأخر ، أو اضطراب أو اصطدام ، لأن القدرة الإلهية هي التي تحرّك هذا الكون بكل ما فيه .
جاء في هامش المنتخب في تفسير القرآن الكريم :
وصفوة القول أن الآية الكريمة تنص على أن الشمس تجري لمستقر لها ، ولم يتعرف على معانيها العلماء إلا في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ، ولا يمكن أن تدرك الشمس القمر ، لأن كلا منهما يجري في أفلاك متوازية ، فيستحيل أن يتقابلا ، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار ، حيث يتطلب ذلك أن تدور الأرض حول محورها من الشرق إلى الغرب ، بدلا من اتجاهها الحالي من الغرب نحو الشرق ، والقمر خلال دورته حول الأرض ، ودورة الأرض حول الشمس يمر بمجموعات من النجوم تسمّى بمنازل القمر ، وفي الربعين الأول والأخير من الشهر ، يظهر القمر كالعرجون القديم ، أي : يصير كالسباطة إذا قدمت ويبست واعوجت15 .
{ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .
ولكل نجم أو كوكب فلك ، أو مدار ، لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه ، والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة ، فالمسافة بين أرضنا هذه وبين الشمس تقدر بنحو ثلاثة وتسعين مليونا من الأميال ، والقمر يبعد عن الأرض بنحو أربعين ومائتي ألف من الأميال . . . ، وهذه المسافات على بعدها ليست شيئا يذكر حين تقاس ببعد مجموعتنا الشمسية ، وأقرب نجم من نجوم السماء الأخرى إلينا ، وهو يقدر بنحو أربع سنوات ضوئية ، وسرعة الضوء تقدَّر بستة وثمانين ومائة ألف من الأميال في الثانية الواحدة ! ( أي أن أقرب نجم إلينا يبعد عنّا بنحو مائة وأربعة مليون مليون ميل ) وقد قدّر الله خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب ، ووضع تصميم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع ، حتى يأتي الأجل المعلوم ، فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر ، والليل لا يسبق النهار ، ولا يزحمه في طريقه ، لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبدا ، فلا يسبق أحدهما الآخر ، أو يزحمه في الجريان !
{ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .
وحركة هذه الأجرام في الفضاء أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح ، فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطة سابحة في ذلك الفضاء المرهوب ، وإن الإنسان ليتضاءل ، وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوّارة ، والكواكب السيارة ، متناثرة في ذلك الفضاء ، سابحة في ذلك الخضّم ، والفضاء من حولها فسيح فسيح ، وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح16 .
قوله تعالى : " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " رفعت " الشمس " بالابتداء ، ولا يجوز أن تعمل " لا " في معرفة . وقد تكلم العلماء في معنى هذه الآية ، فقال بعضهم : معناها أن الشمس لا تدرك القمر فتبطل معناه . أي لكل واحد منهما سلطان على حياله ، فلا يدخل أحدهما على الآخر فيذهب سلطانه ، إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك ، فتطلع الشمس من مغربها على ما تقدم في آخر سورة " الأنعام " {[13216]} بيانه . وقيل : إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء . روي معناه عن ابن عباس والضحاك . وقال مجاهد : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر . وقال قتادة : لكل حد وعلم لا يعدوه ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا . وقال الحسن : إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة . أي لا تبقى الشمس حتى يطلع القمر ، ولكن إذا غربت الشمس طلع القمر . يحيى بن سلام : لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها . وقيل : معناه إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها . قاله ابن عباس أيضا . وقيل : القمر في السماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة فهي لا تدركه . ذكره النحاس والمهدوي . قال النحاس : وأحسن ما قيل في معناها وأبينه مما لا يدفع : أن سير القمر سير سريع والشمس لا تدركه في السير ذكره المهدوي أيضا . فأما قوله سبحانه : " وجمع الشمس والقمر " [ القيامة : 9 ] فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدم بيانه في آخر " الأنعام " {[13217]} ويأتي في سورة [ القيامة ] أيضا . وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا وقيام الساعة . " وكل " يعني من الشمس والقمر والنجوم " في فلك يسبحون " أي يجرون . وقيل : يدورون . ولم يقل تسبح ؛ لأنه وصفها بفعل من يعقل . وقال الحسن : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصقة ؛ ولو كانت ملصقة ما جرت ذكره الثعلبي والماوردي . واستدل بعضهم بقوله تعالى : " ولا الليل سابق النهار " على أن النهار مخلوق قبل الليل ، وأن الليل لم يسبقه بخلق . وقيل : كل واحد منهما يجيء وقته ولا يسبق صاحبه إلى أن يجمع بين الشمس والقمر يوم القيامة ؛ كما قال : " وجمع الشمس والقمر " وإنما هذا التعاقب الآن لتتم مصالح العباد . " لتعلموا عدد السنين والحساب " [ يونس :5 ] ويكون الليل للإجمام والاستراحة ، والنهار للتصرف . كما قال تعالى : " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " [ القصص : 73 ] وقال : " وجعلنا نومكم سباتا " أي راحة لأبدانكم من عمل النهار . فقوله : " ولا الليل سابق النهار " أي غالب النهار ، يقال : سبق فلان فلانا أي غلبه . وذكر المبرد قال : سمعت عمارة يقرأ : " ولا الليل سابق النهار " فقلت ما هذا ؟ قال : أردت سابق النهار فحذفت التنوين ؛ لأنه أخف . قال النحاس : يجوز أن يكون " النهار " منصوبا بغير تنوين ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين .
ولما تقرر أن لكل منهما منازل لا يعدوها ، فلا يغلب ما هو آيته ما هو آية الآخر ، بل إذا جاء سلطان هذا ذهب ذاك ، وإذا جاء ذاك ذهب هذا ، فإذا اجتمعا قامت الساعة ، تحرر أن نتيجة هذه القضايا : { لا الشمس } أي التي هي آية النهار { ينبغي لها } أي ما دام هذا الكون موجوداً على هذا الترتيب { أن تدرك } أي لأن حركتها بطيئة { القمر } أي فتطمسه بالكلية ، فما النهار سابق الليل { ولا الّيل سابق النهار } أي حتى ينبغي للقمر مع سرعة سيره أن يدرك الشمس ويغلبها فلا يوجد نهار أصلاً ، ولو قيل : يستبق لاختل المعنى لإيهامه أنه لا يتقدمه أصلاً فالآية من الاحتباك : نفى أولاً إدراك الشمس لقوتها دليلاً على ما حذف من الثانية من نفي إدراك القمر للشمس ، وذكر ثانياً سبق الليل النهار لما له من القوة بما يعرض من النهار فيغشيه دليلاً على حذف سبق النهار الليل أولاً { وكل } أي من المذكورات حقيقة ومجازاً { في فلك } محيط به ، ولما ذكر لها فعل العقلاء ، وكان على نظام محرر لا يختل ، وسير مقدر لا يعوج ولا ينحل ، فكان منزهاً عن آفة تلحقه ، أو ملل يطرقه ، عبر بما تدور مادته على القدرة والشدة والاتساع فقال : آتياً بضمير العقلاء جامعاً لأنه أدل على تسخيرهم كلهم دائماً : { يسبحون * } حثاً على تدبر ما فيها من الآيات التي غفل عنها - لشدة الإلف لها - الجاهلون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.