تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

62

المفردات :

طلعها : ثمرها .

رؤوس الشياطين : في قبح المنظر ونهاية البشاعة ، والعرب تشبه قبح الصورة بالشيطان ، فتقول : وجه كأنه وجه شيطان ، كما يشبّهون حسن الصورة بالملك .

التفسير :

65- { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } .

إن ثمرها في قبح منظره ، وهول رؤيته شبيه برؤوس الشياطين ، والعرب تتخيل صورة الشيطان قبيحة لا تعدلها صورة أخرى في ذلك ، فيقول لمن يَسْمُونه بالقبح المتناهي : كأن رأسه رأس شيطان ، وقد سلك امرؤ القيس هذا المسلك ، فشبّه سيفه المسنن بأنياب الغول ، أي أنه سيف بشع في حصد الرؤوس وقتل العداء فقال :

أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال .

وعلى العكس من هذا تراهم يشبهون الصورة الحسنة بالملك ، من قبل أنهم اعتقدوا فيه أنه خير محض ، لا شرّ فيه ، فارتسم في خيالهم بأبهى صورة ، وعلى هذا جاء قوله تعالى حكاية عن النسوة اللائي بهرهنّ جمال يوسف : { فلما رأينه أكبرنه ، وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم } . [ يوسف : 31 ] .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

" طلعها " أي ثمرها ، سمي طلعا لطلوعه . " كأنه رؤوس الشياطين " قيل : يعني الشياطين بأعيانهم شبهها برؤوسهم لقبحهم ، ورؤوس الشياطين متصور في النفوس وإن كان غير مرئي . ومن ذلك قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان ، ولكل صورة حسنة هي كصورة ملك . ومنه قوله تعالى مخبرا عن صواحب يوسف : " ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " [ يوسف : 31 ] وهذا تشبيه تخييلي ، روي معناه عن ابن عباس والقرظي . ومنه قول امرئ القيس :

ومسنونةٌ زرقٌ كأنيابِ أغوالِ{[13262]}

وإن كانت الغول لا تعرف ، ولكن لما تصور من قبحها في النفوس . وقد قال الله تعالى : " شياطين الإنس والجن " [ الأنعام : 112 ] فمردة الإنس شياطين مرئية . وفي الحديث الصحيح ( ولكأن نخلها رؤوس الشياطين ) وقد أدعى كثير من العرب رؤية الشياطين والغيلان . وقال الزجاج والفراء : الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف ، وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسما . قال الراجز وقد شبه المرأة بحية لها عرف :

عَنْجَرَدٌ تَحْلِفُ حين أَحْلِفُ *** كمثلِ شيطانِ الحمَاطِ أَعْرَفُ

الواحدة حماطة . والأعرف الذي له عُرْف . وقال الشاعر يصف ناقته :

تُلاَعِبُ مثنَى حضرمي كأنه *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خروعٍ قَفْرِ

التعمج : الاعوجاج في السير . وسهم عموج : يتلوى في ذهابه . وتعمجت الحية : إذا تلوت في سيرها . وقال يصف زمام الناقة{[13263]} :

تُلاَعِبُ مثنَى حضرمي كأنه *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خروعٍ قَفْرِ

وقيل : إنما شبه ذلك بنبت قبيح في اليمن يقال له الأَسْتَن والشيطان . قال النحاس : وليس ذلك معروفا عند العرب . الزمخشري : هو شجر خشن منتن مر منكر الصورة يسمى ثمره رؤوس الشياطين . النحاس : وقيل : الشياطين ضرب من الحيات قباح .


[13262]:أراد بالمسنونة الزرق سهاما محددة الأزجة صافية. وصدر البيت: *أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي*
[13263]:كذا في الأصل ولعل العبارة والبيت هنا تكرار مع ما سبق، وصواب العبارة الأولى " قال الشاعر يصف زمام ناقته" بزيادة لفظ زمام.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

ثم زاد ذلك وضوحاً وتصويراً بقوله : { طلعها } أي الذي هو مثل طلع النخل في نموه ثم تشققه عن ثمره { كأنه رءوس الشياطين * } فيما هو مثل عند المخاطبين فيه ، وهو القباحة التي بلغت النهاية ، وهذا المثل واقع في أتم مواقعه سواء كان الشيطان عندهم اسماً للحية أو لغيرها ، لأن قبح الشياطين وما يتصل بهم في أنهم شر مخص لا يخلطه خير مقرر في النفوس ، ولهذا كان كل من استقبح منظر إنسان أو فعله يقول : كأنه شيطان ، كما انطبع في النفوس حسن الملائكة وجلالتهم فشبهوا لهم الصور الحسان ، ولذلك سمت العرب ثمر شجر يقال له الأستن بهذا الاسم ، وهو شجر خشن مر منتن منكر الصورة .