{ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون }
بما نسيتم : بما تركتم لقاء اليوم الآخر وذكره فالنسيان مشترك بين الغفلة والترك العمد .
نسيناكم : تركناكم في العذاب ترك المنسي .
تصف الآية مشهدا من مشاهد القيامة ، حيث يقال للكافرين المعرضين عن الإيمان : ذوقوا وتعرضوا لآلام العذاب في جهنم بسبب أنكم أهملتم الاستعداد ليوم القيامة ، ولم تقدموا له عملا ينفعكم فيه فأهملتم هذا اليوم وعاملتموه معاملة الناسي له المهمل لشأنه وقد عاملهم الله بنفس عملهم وجازاهم من جنس سلوكهم فأهملهم وتركهم في العذاب وعاملهم معاملة الناسي لهم والله تعالى لا ينسى شيئا ولا يضل عنه شيء ولكن قابل نسيانهم وإهمالهم ليوم القيامة ، بإهمالهم وتركهم في جهنم وهذا ما يسمى بأسلوب المقابلة أو المشاكلة . .
قال تعالى : وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا . . . ( الجاثية : 34 ) .
وقال تعالى : نسوا الله فنسيهم . . . ( التوبة : 67 ) .
ويقال لهؤلاء الكفار توبيخا وتأكيدا :
{ وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون . }
أي : أصلوا عذاب جهنم خالدين فيها أبدا جزاء كفركم وأعمالكم السيئة ونلحظ هنا تكرار القول لهم حيث قال لهم أولا : { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم . . . . } ثم كرر القول لهم للإشعار بأن سبب العذاب ليس مجرد ما ذكر من النسيان بل له أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا .
فقال سبحانه : { وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون . . . } ثم أسدل الستار على المشهد وقد قيلت الكلمة الفاصلة فيه وترك المجرمون لمصيرهم المهين .
قوله تعالى : " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا " فيه قولان : أحدهما : أنه من النسيان الذي لا ذكر معه ، أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين . والآخر : أن " نسيتم " بما تركتم ، وكذا " إنا نسيناكم " . واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى : " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي " {[12668]} [ طه :115 ] قال : والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين " {[12669]} [ الأعراف : 20 ] فلو كان آدم ناسيا لكان قد ذكره . وأنشد :
كأنه خارجا من جَنْبِ صفحَتِهِ *** سَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عند مُفْتَأَدِ{[12670]}
أي تركوه . ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة . قال الضحاك : " نسيتم " أي تركتم أمري . يحيى بن سلام : أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم . " نسيناكم " تركناكم من الخير . قاله السدي . مجاهد : تركناكم في العذاب . وفي استئناف قوله : " إنا نسيناكم " وبناء الفعل على " إن " واسمها تشديد في الانتقام منهم . والمعنى : فذوقوا هذا ، أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم بسبب نسيان الله . أو ذوقوا العذاب المخلد ، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم . " بما كنتم تعملون " يعني في الدنيا من المعاصي . وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما ، لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم . قال عمر بن أبي ربيعة :
فذُقْ هجرها إن كنت تزعم أنها *** فسادٌ ألا يا رُبَّما كذب الزعم
الجوهري : وذقت ما عند فلان ، أي خبرته . وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها . وأذاقه الله وبال أمره . قال طفيل :
فذوقوا كما ذقنا غداةَ مُحَجَّرٍ *** من الغيظ في أكبادنا والتَّحَوُّبُ
وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء . وأمر مستذاق أي مجرب معلوم . قال الشاعر :
وعهد الغانيات كعهد قَيْنٍ *** وَنَتْ عنه الجعائل مُسْتَذَاقِ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.