مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (14)

قوله تعالى : { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون } وفي تفسير الآية مسائل :

المسألة الأولى : قوله : { فذوقوا بما نسيتم لقاء } لقاء يحتمل أن يكون منصوبا بذوقوا ، أي ذوقوا لقاء يومكم بما نسيتم ، وعلى هذا يحتمل أن يكون المنسي هو الميثاق الذي أخذ منهم بقوله : { ألست بربكم قالوا بلى } أو بما في الفطرة من الوحدانية فينسى بالإقبال على الدنيا والاشتغال بها ويحتمل أن يكون منصوبا بقوله : { نسيتم } أي بما نسيتم لقاء هذا اليوم ذوقوا ، وعلى هذا لو قال قائل النسيان لا يكون إلا في المعلوم أولا إذا جهل آخرا نقول لما ظهرت براهينه فكأنه ظهر وعلم ، ولما تركوه بعد الظهور ذكر بلفظ النسيان إشارة إلى كونهم منكرين لأمر ظاهر كمن ينكر أمرا كان قد علمه .

المسألة الثانية : قوله تعالى هذا يحتمل ثلاثة أوجه أحدها : أن يكون إشارة إلى اليوم ، أي فذوقوا بما نسيتم لقاء هذا اليوم وثانيها : أن يكون إشارة إلى لقاء اليوم ، أي فذوقوا بما نسيتم هذا اللقاء وثالثها : أن يكون إشارة إلى العذاب ، أي فذوقوا هذا العذاب بما نسيتم لقاء يومكم ، ثم قال إنا نسيناكم ، أي تركناكم بالكلية غير ملتفت إليكم كما يفعله الناسي قطعا لرجائكم ، ثم ذكر ما يلزم من تركه إياهم كما يترك الناسي وهو خلود العذاب ، لأن من لا يخلصه الله فلا خلاص له ، فقال : { وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون } .