إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (14)

والفاء في قوله تعالى { فَذُوقُواْ } لترتيبِ الأمرِ بالذَّوق على ما يُعرب عنه ما قبله من نفيِ الرَّجعِ إلى الدُّنيا أو على الوعيدِ المحكيِّ والباء في قوله تعالى : { بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا } للإيذانِ بأنَّ تعذيبَهم ليس لمجردِ سبقِ الوعيدِ به فقط بل هو وسبقُ الوعيدِ أيضاً بسببٍ موجبٍ له من قِبَلهم ، كأنَّه قيل : لا رجعَ لكم إلى الدُّنيا أو حقَّ وعيدي فذوقُوا بسببِ نسيانِكم لقاءَ هذا اليومِ الهائلِ وتركِكم التفكُّرَ فيهِ والاستعدادَ له بالكُلِّيةِ { إِنَّا نسيناكم } أي تركناكُم في العذابِ تركَ المنسيِّ بالمرَّةِ وقولُه تعالى : { وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } تكريرٌ للتَّأكيدِ والتَّشديدِ وتعيينُ المفعولِ المطويِّ للذوقِ والإشعارِ بأنَّ سببَه ليس مجرَّد ما ذُكر من النِّسيانِ بل له أسبابٌ أخرُ من فنونِ الكفرِ والمَعاصي التي كانُوا مستمرِّين عليها في الدُّنيا ، وعدمُ نظمِ الكلِّ في سلكٍ واحدٍ للتنبيهِ على استقلالِ كلَ منها في استيجابِ العذابِ . وفي إبهامِ المذوقِ أولاً وبيانِه ثانياً بتكريرِ الأمرِ وتوسيطِ الاستئنافِ المنبئ عن كمالِ السُّخطِ بينهما من الدِّلالةِ على غاية التَّشديدِ في الانتقامِ منهم ما لا يَخْفى