فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (14)

{ فَذُوقُوا } أي : العذاب ، والفاء لترتيب الأمر بالذوق على ما قبله ، أي فإذا دخلوا النار ، قالت لهم الخزنة : ذوقوا ؛ قاله مقاله مقاتل واستعار الذوق للإحساس ، وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس ، وإن لم يكن مطعوما لإحساسها به كإحساس الذائقة بذوق المطعوم .

{ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ } الباء للسببية ، وفيه إشعار بأن تعذيبهم ليس لمجرد سبق القول المتقدم ، بل بذاك واختلف في النسيان المذكور ههنا ، فقيل : هو النسيان الحقيقي ، وهو الذي يزول عنده الذكر .

وقيل هو الترك ، قاله الضحاك ، ويحيى بن سلام . والمعنى على الأول أنهم لم يعملوا لذلك اليوم فكانوا كالناسين له ، وعلى الثاني لا بد من تقدير مضاف قبل اللقاء أي : فذوقوا بسبب ترككم لما أمرتكم به عذاب لقاء يومكم هذا ، ورجح الثاني المبرد ، قال الرازي في تفسيره : إن إسم الإشارة في قوله { هَذَا } يحتمل ثلاثة أوجه : أن يكون إشارة إلى اللقاء ، وأن يكون إلى اليوم ، وأن يكون إلى العذاب .

{ إِنَّا نَسِينَاكُمْ } أي تركناكم بالكلية غير ملتفت إليكم كما يفعل الناس قطعا لرجائكم قال يحيى : المعنى نسيناكم بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم ، تركناكم من الخير ، وكذا قال السدي ، وقال مجاهد : تركناكم في العذاب .

{ وَذُوقُوا } تكرير هذا للتأكيد والتشديد ، ولتبيين المفعول المطوي للذوق وللإشعار بأن سببه ليس مجرد النسيان ، بل له أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي ، التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا { عَذَابَ الْخُلْدِ } أي الدائم الذي لا انقطاع له { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا من الكفر والمعاصي ، والتكذيب .