{ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون }
فأغشيناهم : فغطينا أبصارهم وأعميناهم .
لقد عاشوا في ظلام النفس وظلام الكفر وظلام الإعراض عن الحق كأن سدا عظيما أمامهم يحجب رؤيتهم وكأن سدا عظيما خلفهم وغطينا أبصارهم فهم لا يقدرون على إبصار شيء أصلا لا من أمامهم ولا من خلفهم .
وقيل : إن الآيتين نزلتا في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمد صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالأولى أن تظل الآية عامة ، لتشمل كل معرض عن الحق ولا مانع أن يكون أبو جهل ضمن من اشتملت عليهم من المشركين الذين حق القول على أكثرهم .
قوله تعالى : " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا " قال مقاتل : لما عاد أبو جهل إلى أصحابه ، ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وسقط الحجر من يده ، أخذ الحجر رجل آخر من بني مخزوم وقال : أقتله بهذا الحجر . فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم طمس الله على بصره فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ، فهذا معنى الآية . وقال محمد بن إسحاق في روايته : جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل وأمية بن خلف ، يرصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغوا من أذاه ، فخرج عليهم عليه السلام وهو يقرأ [ يس ] وفي يده تراب فرماهم به وقرأ : " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا " فأطرقوا حتى مر عليهم عليه السلام . وقد مضى هذا في سورة [ سبحان ]{[13191]} ومضى في " الكهف " {[13192]} الكلام في " سدا " بضم السين وفتحها وهما لغتان ، " فأغشيناهم " أي غطينا أبصارهم ، وقد مضى في أول " البقرة " {[13193]} . وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر " فأعشيناهم " بالعين غير معجمة من العشاء في العين وهو ضعف بصرها حتى لا تبصر بالليل قال :
متى تأتهِ تَعْشُو إلى ضوءِ نارِه{[13194]}
وقال تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن " [ الزخرف : 36 ] الآية . والمعنى متقارب ، والمعنى أعميناهم . كما قال :
ومن الحوادث لا أبا لكَ أنَّنِي *** ضُرِبَتْ عليَّ الأرضُ بالأَسْدَادِ
لا أهتدي فيها لموضع تَلْعَةً *** بين العُذَيْبِ وبين أرضِ مُرَادِ
" فهم لا يبصرون " أي الهدى . قاله قتادة . وقيل : محمدا حين ائتمروا على قتله . قاله السدي . وقال الضحاك : " وجعلنا من بين أيديهم سدا " أي الدنيا " ومن خلفهم سدا " أي الآخرة ، أي عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا . قال الله تعالى : " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " [ فصلت : 25 ] أي زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة . وقيل : على هذا " من بين أيديهم سدا " أي غرورا بالدنيا " ومن خلفهم سدا " أي تكذيبا بالآخرة . وقيل : " من بين أيديهم " الآخرة " ومن خلفهم " الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.