فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } أي منعناهم عن الإيمان بموانع ، فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان ، كالمضروب أمامه ، وخلفه بالأسداد ، والسد بضم السين ، وفتحها لغتان . ومن هذا المعنى في الآية قول الشاعر :

ومن الحوادث لا أبالك أنني *** ضربت عليّ الأرض بالأسداد

لا أهتدي فيها لموضع تلعة *** بين العذيب وبين أرض مراد

{ فأغشيناهم } أي غطينا أبصارهم { فَهُمُ } بسبب ذلك { لاَّ يُبْصِرُونَ } أي لا يقدرون على إبصار شيء .

قال الفراء : فألبسنا أبصارهم غشوة : أي عمى فهم لا يبصرون سبيل الهدى ، وكذا قال قتادة : إن المعنى لا يبصرون الهدى . وقال السدّي : لا يبصرون محمداً حين ائتمروا على قتله . وقال الضحاك : { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } أي الدنيا ، { ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } أي الآخرة ، { فأغشيناهم ، فهم لا يبصرون } أي عموا عن البعث ، وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا . وقيل ما بين أيديهم : الآخرة ، وما خلفهم : الدنيا ، قرأ الجمهور بالغين المعجمة : أي غطينا أبصارهم ، فهو على حذف مضاف . وقرأ ابن عباس ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، ويحيى بن يعمر ، وأبو رجاء ، وعكرمة بالعين المهملة من العشا ، وهو : ضعف البصر . ومنه { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن } [ الزخرف : 36 ] .

/خ12