الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وجعلنا من بين أيديهم سداً } قال : كفار قريش غطاء { فأغشيناهم } يقول : ألبسنا أبصارهم { فهم لا يبصرون } النبي صلى الله عليه وسلم فيؤذونه ، وذلك أن ناساً من بني مخزوم تواطئوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه . منهم أبو جهل ، والوليد بن المغيرة . فبينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يسمعون قراءته ، فأرسلوا إليه الوليد ليقتله ، فانطلق حتى أتى المكان الذي يصلي فيه ، فجعل يسمع قراءته ولا يراه ، فانصرف إليهم ، فأعلمهم ذلك ، فأتوه فلما انتهوا إلى المكان الذي يصلي فيه ، سمعوا قراءته فيذهبون إليه فيسمعون أيضاً من خلفهم ، فانصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلاً . فذلك قوله { وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً . . } .

وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن محمد بن كعب القرظي قال : " اجتمع قريش ؛ وفيهم أبو جهل على باب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا على بابه : إن محمداً يزعم أنكم إن بايعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ، وبعثتم من بعد موتكم ، فجعلت لكم نار تحرقون فيها ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ حفنة من تراب في يده قال : « نعم ، أقول ذلك ، وأنت أحدهم ، وأخذ الله على أبصارهم فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم ، وهو يتلو هذه الآيات { يس والقرآن الحكيم } إلى قوله { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ، فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه تراباً ، فوضع كل رجل منهم يده على رأسه ، وإذا عليه تراب فقالوا : لقد كان صدقنا الذي حدثنا " .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً » برفع السين فيهما { فأغشيناهم } بالغين .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمعت قريش بباب النبي صلى الله عليه وسلم ، ينتظرون خروجه ليؤذوه ، فشق ذلك عليه ، فأتاه جبريل بسورة { يس } وأمره بالخروج عليهم ، فأخذ كفاً من تراب ، وخرج وهو يقرأها ويذر التراب على رؤوسهم ، فما رأوه حتى جاز ، فجعل أحدهم يلمس رأسه ، فيجد التراب وجاء بعضهم فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : ننتظر محمداً فقال : لقد رأيته داخلاً المسجد قالوا : قوموا فقد سحركم .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : « اجتمعت قريش فبعثوا عتبة بن ربيعة فقالوا : أئتِ هذا الرجل ، فقل له إن قومك يقولون : إنك جئت بأمرٍ عظيم ، ولم يكن عليه آباؤنا ، ولا يتبعك عليه أحلامنا ، وإنك إنما صنعت هذا إنك ذو حاجة ، فإن كنت تريد المال فإن قومك سيجمعون لك ويعطونك ، فدع ما تريد وعليك بما كان عليه آباؤك ، فانطلق عليه عتبة فقال له : الذي أمروه ، فلما فرغ من قوله وسكت . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » { بسم الله الرحمن الرحيم ، حم تنزيل من الرحمن الرحيم } [ فصلت 1 - 2 ] فقرأ عليه من أولها حتى بلغ { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [ فصلت : 13 ] فرجع عتبة فأخبرهم الخبر ، فقال : لقد كلمني بكلام ما هو بشعر ، ولا بسحر ، وإنه لكلام عجيب ، ما هو بكلام الناس ، فوقعوا به ، وقالوا نذهب إليه بأجمعنا ، فلما أرادوا ذلك ، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعمدهم حتى قام على رؤوسهم ، وقال بسم الله الرحمن الرحيم { يس والقرآن الحكيم } حتى بلغ { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً } فضرب الله بأيديهم على أعناقهم ، فجعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً ، فأخذ تراباً ، فجعله على رؤوسهم ، ثم انصرف عنهم ، ولا يدرون ما صنع بهم ، فعجبوا وقالوا : ما رأينا أحداً قط أسحر منه أنظروا ما صنع بنا " .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : أئتمر ناس من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم ليسطوا عليه ، فجاؤوا يريدون ذلك ، فجعل الله { من بين أيديهم سداً } قال : ظلمة { ومن خلفهم سداً } قال : ظلمة { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } قال : فلم يبصروا النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : كان ناس من المشركين من قريش يقول بعضهم لبعض : لو قد رأيت محمداً لفعلت به كذا وكذا ، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم في حلقة في المسجد ، فوقف عليهم فقرأ { يس والقرآن الحكيم } حتى بلغ { لا يبصرون } ثم أخذ تراباً ، فجعل يذره على رؤوسهم ، فما يرفع إليه رجل طرفه ، ولا يتكلم كلمة ، ثم جاوز النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا ينفضون التراب عن رؤوسهم ولحاهم ، والله ما سمعنا ، والله ما أبصرنا ، والله ما عقلنا .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً } قال : عن الحق { فهم } يترددون { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } هدى ، ولا ينتفعون به .