غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

1

ثم ضرب مثلاً آخر لكونهم غير منتهجين سبيل الرشاد وذلك قوله { وجعلنا من بين أيديهم سداً } قال أهل التحقيق : المانع إما أن يكون في النفس وهو الغل فلا يتبين لهم آيات الأنفس ، وإما أن يكون خارداً عنها وهو السدّ فلا يتضح لهم دلائل الآفاق . ويمكن أن يقال : السدّ من قدام إشارة إلى عدم العلوم النظرية ، ومن خلف إشارة إلى عدم فطنتهم الغريزية ، أو الأوّل إشارة إلى الغفلة عن أحوال المعاد ، والثاني إشارة إلى الغفلة عن المبدأ . وفيه أن السالك إذا انسدّ عليه الطريق من قدامه ومن خلفه والموضع الذي هو فيه لا يكون موضع إقامة فإنه يهلك لا محالة . ثم زاد في التأكيد بقوله { فأغشيناهم } أي جعلنا بعد ذلك كله على أبصارهم غشاوة { فهم لا يبصرون } شيئاً أصلا . ويحتمل أن يكون الإغشاء إشارة إلى أن السدّ قريب منهم بحيث يصير ذلك كالغشاوة فإن القرب القريب مانع من الرؤية فلا يرون السدّ قريب منهم { فهم لا يبصرون } وعلى هذا يكون ذكر السد من خلف تأكيداً على تكيد ، فإن الذي جعل بين يديه ومن خلفه سدان ملتزقان لا يمكنه التحرك يمنة ويسرة ولا النظر إلى السدّ ولا إلى غيره . ويمكن أن يقال : فائدته تعميم المنع من انتهاج المسالك المستقيمة لأنهم إن قصدوا السلوك إلى جانب اليمين أو إلى جانب الشمال صاروا متوجهين إلى شيء ومولين عن شيء ، وهكذا إن فرض رجوع قهقرى فإن المشي من هاتين الجهتين عادة .

/خ44