فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } أي منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد ، والسد : بضم السين وفتحها لغتان : قال الضحاك : سدا أي الدنيا وسدا أي الآخرة ، قيل : بالعكس { فَأَغْشَيْنَاهُمْ } بالغين المعجمة أي غطينا أبصارهم على حذف مضاف ، وقرئ : بالعين المهملة من العشا ، وهو ضعف البصر ، ومنه : { ومن يعش عن ذكر الرحمن } فهم بسبب ذلك .

{ لاَ يُبْصِرُونَ } أي لا يقدرون على إبصار شيء ، قال الفراء : فألبسنا أبصارهم غشاوة أي عمى ، فهم لا يبصرون سبيل الهدى ، وكذا قال قتادة إن المعنى لا يبصرون الهدى ، وقال السدي : لا يبصرون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم حين ائتمروا على قتله .

وعن ابن عباس قال : في السد كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يرونه ، وعنه أيضا قال : ( اجتمعت قريش بباب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون خروجه ليؤذوه فشق ذلك عليه ، فأتاه جبريل بسورة يس وأمره بالخروج عليهم ، فأخذ كفا من تراب وخرج وهو يقرؤها ويذر التراب على رؤوسهم ، فما رأوه حتى جاز فجعل أحدهم يلمس رأسه فيجد التراب ، وجاء بعضهم فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا ننتظر محمدا فقال : لقد رأيته داخل المسجد ، قال : قوموا فقد سحركم ) {[1390]} .

قال الضحاك في الآية أي عموا عن البعث ، وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا ، قال تعالى : { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ) ، قال البيضاوي ، هذا تمثيل آخر بمن أحاط بهم سدان فغطيا أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة ، ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل .


[1390]:وتمام القصة في سيرة ابن هشام 1/ 484.