الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

قوله ( تعالى ذكره ) {[56401]} : { وجعلنا من بين {[56402]} أيديهم سدا }8 إلى قوله { قوم مسرفون }18 {[56403]} قد تقدم ذكر السد والسد في الكهف {[56404]} ، والمعنى جعلنا من بين أيدي هؤلاء الكفار حاجزا ومن خلفهم حاجزا .

{ فأغشيناهم } أي : جعلنا على أعينهم غشاوة .

وروي عن ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر : " فأغشيناهم " بالعين غير معجمة من عشى {[56405]} العين {[56406]} .

قال الطبري في " سدا " : من فتح {[56407]} كان من فعل بني آدم ، وإذا كان من فعل الله {[56408]} كان بالضم {[56409]} .

وقيل : معناه أنهم زين لهم سوء أعمالهم فهم يعمهون فلا يبصرون شيئا .

قال مجاهد : سدا عن الحق فهم يترددون {[56410]} .

وقال ابن زيد : جعل هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان فهم لا يخلصون إليه وقرأ : { وسواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يومنون } {[56411]} ، وقرأ : { إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يومنون } {[56412]} ، وقرأ شبه {[56413]} ذلك {[56414]} .

وقيل : هو تمثيل والمعنى : أنه تعالى منعهم من الهدى والضلال فلم ينتفعوا بالإنذار .

قال ابن إسحاق : جلس عتبة {[56415]} وشيبة {[56416]} ابنا ربيعة وأبو جهل وأمية بن خلف يرتصدون النبي صلى الله عليه وسلم {[56417]} ليبلغوا {[56418]} من أذاه ، فخرج عليهم فقرأ أول { يس } وفيه يده تراب فرماهم به ، وقرأ : { وجعلنا من بين أيديهم سدا } إلى رأس العشر ، فأطرقوا {[56419]} حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم {[56420]} .

وقال ابن عباس : أقسم أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي لأدمغنه فأخذ حجرا والنبي عليه السلام {[56421]} يصلي ليرميه به فلما أومأ به {[56422]} إليه رجعت يده إلى {[56423]} عنقه والتصق الحجر بيده ، فهو قوله : { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا } {[56424]} {[56425]} .

قال عكرمة : كانوا يقولون : هذا محمد فيقول {[56426]} أبو جهل : أين هو ؟ أين هو ؟ لا يبصره {[56427]} .


[56401]:ساقط من ب
[56402]:متآكل في ب
[56403]:ساقط من ب
[56404]:تقدم ذكر السد في قوله تعالى: {فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} الكهف: آية 90
[56405]:أ: "عشا" والعشا مقصور: سوء البصر بالليل والنهار يكون في الناس والدواب والإبل والطير: وقيل: هو ذهاب البصر، وقيل: هو أن لا يبصر بالليل، وقيل: العشا يكون سوء البصر من غير عمى. انظر: اللسان مادة "عشا" 15/56
[56406]:انظر: المحتسب 2/204 والمحرر الوجيز 13/190 والجامع للقرطبي 15/10 والبحر المحيط 7/325 وقد نسب ابن جني هذه القراءة أيضا إلى يزيد البربري وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن المهلبة والنخعي وابن سيرين.
[56407]:قرأ "سدا" بالفتح حفص وحمزة والكسائي وقرأ الباقون بالضم انظر: الكشف لمكي 2/214 والحجة لأبي زرعة 596 والتيسير للداني 183 والكشف والبيان للثعلبي 6/171
[56408]:ب: الله عز وجل
[56409]:انظر: جامع البيان 22/151
[56410]:انظر: المصدر السابق وتفسير ابن كثير 3/565 والدر المنثور 7/45، وتفسير مجاهد 559
[56411]:يس: آية 9
[56412]:يونس: آية 96
[56413]:ب: "مشبه"
[56414]:انظر: جامع البيان 22/152 والدر المنثور 7/46
[56415]:هو عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أبو الوليد كبير قريش وأحد ساداتها في الجاهلية، كان من أشد أعداء الإسلام والمسلمين شهد بدرا مع المشركين فأحاط به علي بن أبي طالب وحمزة وعبيدة بن الحارث فقتلوه. انظر: جمهرة الأنساب 76 وبلوغ الأرب 1/241
[56416]:هو شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، من زعماء قريش في الجاهلية أدرك الإسلام وقتل على الوثنية يوم بدر. انظر: جمهرة الأنساب 76، وبلوغ الأرب 1/241
[56417]:ب: "عليه السلام"
[56418]:ب: "فيبلغوا"
[56419]:ب: "فأطلقوا" وهو تحريف
[56420]:انظر: إعراب النحاس 3/385 والجامع للقرطبي 15/10
[56421]:ب: "صلى الله عليه وسلم"
[56422]:أ: "أومى" وأومأ، من الإيماء وهو أن تومئ برأسك أو بيدك ما يومئ المريض برأسه للركوع والسجود، انظر: اللسان مادة "ومأ" 1/201
[56423]:ب: "في عنقه"
[56424]:يس: آية 7
[56425]:انظر: الجامع للقرطبي 15/7
[56426]:ب: "فيقوى" وهو تحريف
[56427]:انظر: جامع البيان 22/152 وتفسير ابن كثير 3/565 ولباب النقول 176