محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } قال الزمخشريّ : مثل تصميمهم على الكفر ، وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم ، بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين ، في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ، ولا يطأطئون رؤوسهم له . وكالحاصلين بين سدّين . لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم ، في أن لا تأمل لهم ولا تبصر . وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله . انتهى . أي فالمجموع استعارة تمثيلية . وفي ( الانتصاف ) للناصر : إذا فرقت هذا التشبيه ، كان تصميمهم على الكفر مشبهها بالأغلال . وكان استكبارهم عن قبول الحق وعن الخضوع والتواضع لاستماعه ، مشبها بالأقماح . لأن المقمح لا يطأطئ رأسه . وقوله : { فهي إلى الأذقان } تتمة للزوم الإقماح لهم . وكان عدم الفكر في القرون الخالية مشبها بسد من خلفهم ، وعدم النظر في العواقب المستقبلة مشبها بسد من قدامهم انتهى . فيكون فيه تشبيه متعدد . قال الشهاب : والتمثيل أحسن منه . انتهى .

ثم قال الناصر : يحتمل أن تكون الفاء في { فهم مقمحون } للتعقيب ، كالفاء الأولى . أو للتسبب . ولا شك أن ضغط اليد مع العنق في الغلّ يوجب الإقماح . فإن اليد ، والعياذ بالله ، تبقى ممسكة بالغل تحت الذقن ، دافعة بها ومانعة من وطأتها . ويكون التشبيه أتم على هذا التفسير . فإن / اليد متى كانت مرسلة مخلاة ، كان للمغلول بعض الفرج بإطلاقها . ولعله يتحيل بها على فكاك الغلّ ، ولا كذلك إذا كانت مغلولة . فيضاف إلى ما ذكرناه من التشبيهات المفرقة ، أن يكون انسداد باب الحيل عليهم في الهداية والانخلاع من ربقة الكفر المقدر عليهم ، مشبها بغل الأيدي . فإن اليد آلة الحيلة إلى الخلاص . انتهى .

وإنما اختير هذا ، لأن ما قبلهم وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا . وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة ، على أنه حقيقة لا تمثيل فيه . فورد عليه أن يكون أجنبيا في البين . وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله : {[6320]} { حق القول على أكثرهم } والأول أدق ، وبالقبول أحق .


[6320]:[36/يس/7].