تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة التكاثر

أهداف سورة التكاثر

( سورة التكاثر مكية ، وآياتها 8 آيات ، نزلت بعد سورة الكوثر )

من أسباب النزول :

أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي بريدة قال : نزلت : ألهاكم التكاثر . في قبيلتين من الأنصار ، وهما : بنو حارثة ، وبنو الحرث ، تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : أفيكم مثل فلان وفلان ؟ وقالت الأخرى مثل ذلك . تفاخروا بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور ، فجعلت إحدى الطائفتين تقول : أفيكم مثل فلان وفلان ؟ وتشير إلى القبر ، ومثل فلان ، وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله هذه السورة .

هذه السورة صيحة بالقلب البشري الغارق في التفاخر والتكاثر بالدنيا ومظاهرها ، وتنبيه له إلى أن ما تفاخر به إلى زوال ، وأن الدنيا قصيرة ، وأن الغاية إلى حفرة ضيقة ، وهناك ترى الحقيقة الباقية ، واليقين المؤكد ، وتسأل عن هذه الألوان المتنوعة من الملذات ، وعن سائر ألوان النعيم ، عن الشباب والمال والجاه والصحة والعافية ، ماذا عملت بها ؟

( وروي : يسأل عن التنعم الذي شغله الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه ، وعن الحسن : يسأل عما زاد عن كنّ يؤويه ، وثوب يواريه ، وكسرة تقوّيه )i .

مع آيات السورة

1 ، 2- ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر . أيها السادرون الغافلون ، أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة ، وأنتم مفارقون ، أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه . أيها التاركون ما تتكاثرون به وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر ، استيقظوا وانظروا . . فقد شغلكم حب الكثرة والفخر حتى هلكتم ، وصرتم من الموتى ، ورأيتم الحساب والجزاء .

وفي صحيح مسلم ، عن مطرف ، عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ : ألهاكم التكاثر . قال : ( يقول ابن آدم : مالي ، ومالك ، يا ابن آدم ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما سوى ذلك فذاهب وتركه للناس ) . ii .

3 ، 4- كلاّ سوف تعلمون* ثم كلاّ سوف تعلمون .

أي : ازدجروا عن مثل هذا التكاثر والتفاخر ، والجأوا إلى التناصر على الحق ، والتكاتف على أعمال البر ، والتضافر على ما فيه حياة الأفراد والجماعات ، من تقويم الأخلاق ، والتعاون على الخير والمعروف ، وإنكم سوف تعلمون سوء مغبة ما أنتم عليه .

ثم كلاّ سوف تعلمون . وهو تكرير للوعيد لتأكيد الزجر والتوبيخ ، كما يقول الإنسان لآخر : أقول لك لا تفعل ، ثم أقول لك لا تفعل .

5- كلاّ لو تعلمون علم اليقين . أي : ارتدعوا عن تغريركم بأنفسكم ، فإنكم لو تعلمون عاقبة أمركم لشغلكم ذلك عن التكاثر ، وصرفكم إلى صالح الأعمال ، وأن ما تدّعونه علما ليس في الحقيقة بعلم ، وإنما وهم وظن ، لا يلبث أن يتغير لأنه لا يطابق الواقع ، والجدير أن يسمى علما هو علم اليقين المطابق للواقع ، بناء على العيان والحس ، أو الدليل الصحيح الذي يؤيده العقل ، أو النقل الصحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم .

6- لترونّ الجحيم . ولا شك في رؤيتها ، والمراد برؤية الجحيم : ذوق عذابها ، ثم أكد هذا المضمون بقوله :

7- ثم لترونّها عين اليقين . أي : لترونها رؤية هي اليقين بنفسه ، مهما كانت نسبتكم أو مجدكم ، فلن ينجيكم منها سوى أعمالكم .

8- ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم . لتسألن عنه : من أين نلتموه ؟ وفيم أنفقتموه ؟ أمن طاعة وفي طاعة ؟ أم من معصية وفي معصية ؟ أمن حلال وفي حلال ؟ أم من حرام وفي حرام ؟ هل شكرتم ؟ هل أديتم حق النعيم ؟ هل شاركتم الفقير والمسكين ؟ هل استأثرتم وبخلتم ومنعتم صاحب الحق حقه ؟

لتسألن عما تتكاثرون به وتتفاخرون . . فهوعبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ، ولكن وراءه ما وراءه من همّ ثقيل .

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) . iii .

***

مقاصد سورة التكاثر

1- ذم الانشغال بمظاهر الحياة .

2- التذكير بالموت والقبر والحساب .

3- زجر الغافلين والعابثين ، وتذكيرهم بيوم الدين .

4- لن ينقذهم من النار جاه ولا سلطان ، ولن ينفعهم سوى العمل الصالح .

5- الحساب على النعيم حق ، فيجب أن يكون النعيم حلالا طيبا .

ذمّ التفاخر بالدنيا

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألهاكم التكاثر 1 حتى زرتم المقابر 2 كلاّ سوف تعلمون 3 ثم كلاّ سوف تعلمون 4 كلاّ لو تعلمون علم اليقين 5 لترونّ الجحيم 6 ثم لترونّها عين اليقين 7 ثم لتسألن يومئذ عن النعيم 8 }

المفردات :

ألهاكم : شغلكم .

التكاثر : التباهي والتفاخر بالكثرة في الأموال والأولاد والأهل والعشيرة .

زرتم المقابر : صرتم إليها ودفنتم فيها .

التفسير :

1 ، 2- ألهاكم التكاثر* حتى زرتم .

شغلكم طلب الكثير من المال والجاه والسلطان ، رغبة في كثرة ما تملكون ، لتكونوا أكثر مالا أو متاعا من أندادكم ونظرائكم ، ولم تلتفتوا إلى عين الحقيقة ، وهي أن المال الحقيقي هو الذي ينفقه الإنسان في سبيل الله ، وأن الفضل الحقيقي هو عمل الخير والمعروف ابتغاء وجه الله ، لأن ذلك هو الذي ينفعك في قبرك ، ويعلي درجتك في الآخرة .

حتى زرتم المقابر .

حتى ذهبتم إلى المقابر ودفنتم فيها ، ولم تجدوا أثرا لتكاثر الدنيا ، والتشبّع بأموالها .

وفي قوله : حتى زرتم المقابر . إشارة لطيفة إلى أن بيت الإقامة الدائمة هو الجنة أو النار ، أما الزائر فإنه ينتقل عن بيت الزيارة ، فالقبر مدفن مؤقّت ، والدار الآخرة هي الحياة الدائمة .

وقيل : إن الآية تحتمل معنى آخر ، هو : شغلكم التفاخر والتكاثر بالأحياء حتى زرتم المقابر لتفتخروا بمن مات منكم من عظماء الدنيا على القبائل الأخرى .

أو المعنى : بنيتم مقابر مشيّدة تفاخرا بها ، كما قال الشاعر :

أرى أهل القصور إذا أميتوا *** بنوا فوق المقابر بالصخور

أبوا إلا مباهاة وفخرا *** على الفقراء حتى في القبور

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة ألهاكم التكاثر ، وهي مكية .

{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }

يقول تعالى موبخًا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له ، ومعرفته ، والإنابة إليه ، وتقديم محبته على كل شيء : { أَلْهَاكُمُ } عن ذلك المذكور { التَّكَاثُرُ } ، ولم يذكر المتكاثر به ، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون ، ويفتخر به المفتخرون ، من التكاثر في الأموال ، والأولاد ، والأنصار ، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر ، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى{[1473]} .


[1473]:- في ب: وليس المقصود منه وجه الله.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة التكاثر مكية.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهي مكية ، لا أعلم فيها خلافا.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

وهي مكية في قول جميع المفسرين ، وروى البخاري أنها مدنية .

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وكان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما أخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي هلال يسمونها المقبرة، وهي مكية، قال أبو حيان عند جميع المفسرين، وقال الجلال السيوطي على الأشهر، ويدل لكونها مدنية -وهو المختار- ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي بريدة فيها قال نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحرث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان وفلان، وقال الآخرون مثل ذلك، تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا انطلقوا بنا الى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان تشير، الى القبر، ومثل فلان، وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله تعالى "ألهاكم التكاثر..." الخ. وأخرج البخاري وابن جرير عن أبي ابن كعب قال كنا نرى هذا من القرآن (لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ثم يتوب الله على من تاب) حتى نزلت ألهاكم التكاثر. وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه مازلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر، وعذاب القبر لم يذكر إلا في المدينة كما في الصحيح في قصة اليهودية. انتهى ولقوة الأدلة على مدنيتها قال بعض الأجلة إنه الحق...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة ذات إيقاع جليل رهيب عميق وكأنما هي صوت نذير ، قائم على شرف عال . يمد بصوته ويدوي بنبرته . يصيح بنوم غافلين مخمورين سادرين ، أشرفوا على الهاوية وعيونهم مغمضة ، وحسهم مسحور . فهو يمد بصوته إلى أعلى وأبعد ما يبلغ :

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سميت في معظم المصاحف ومعظم التفاسير سورة التكاثر وكذلك عنونها الترمذي في جامعه وهي كذلك معنونة في بعض المصاحف العتيقة بالقيروان .

وسميت في بعض المصاحف سورة ألهاكم، وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه .

وهي مكية عند الجمهور قال ابن عطية : هي مكية لا أعلم فيها خلافا .

وعن ابن عباس والكلبي ومقاتل : إنها نزلت في مفاخرة جرت بين بني عبد مناف وبني سهم في الإسلام كما يأتي قريبا وكانوا من بطون قريش بمكة ولأن قبور أسلافهم بمكة .

وفي الإتقان : المختار : أنها مدنية . قال : ويدل له ما أخرجه ابن أبي حاتم أنها نزلت في قبيلتين من الأنصار تفاخروا ، وما أخرجه البخاري عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب . قال أبي : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت { ألهكم التكاثر } اه . يريد المستدل بهذا أن أبيا أنصاري وأن ظاهر قوله : حتى نزلت { ألهاكم التكاثر } ، أنها نزلت بعد أن كانوا يعدون لو أن لابن آدم واديا من ذهب الخ من القرآن وليس في كلام أبي دليل ناهض إذ يجوز أن يريد بضمير كنا المسلمين ، أي كان من سبق منهم يعد ذلك من القرآن حتى نزلت سورة التكاثر وبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كانوا يقولونه ليس بقرآن .

والذي يظهر من معاني السورة وغلظة وعيدها أنها مكية وأن المخاطب بها فريق من المشركين لأن ما ذكر فيها لا يليق بالمسلمين أيامئذ .

وسبب نزولها فيما قال الواحدي والبغوي عن مقاتل والكلبي والقرطبي عنهما وعن ابن عباس : أن بني عبد مناف وبني سهم من قريش تفاخروا فتعادوا السادة والأشراف من أيهم أكثر عددا فكثر بنو عبد مناف بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بريدة الجرمي قال : نزلت في قبيلتين من الأنصار بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا بالأحياء ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان ، تشير إلى القبر . ومثل فلان ، وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله { ألهاكم التكاثر } ...

أغراضها:

اشتملت على التوبيخ على اللهو عن النظر في دلائل القرآن ودعوة الإسلام بإيثار المال والتكاثر به والتفاخر بالأسلاف وعدم الإقلاع عن ذلك إلى أن يصيروا في القبور كما صار من كان قبلهم وعلى الوعيد على ذلك .

وحثهم على التدبير فيما ينجيهم من الجحيم .

وأنهم مبعوثون ومسؤولون عن إهمال شكر المنعم العظيم .

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

في السورة تنديد بالمستغرقين في الدنيا ومالها ونعيمها ، وإنذار لهم بالآخرة ، وهي عامة العرض والتوجيه ، وقد روي أنها مدنية . وأسلوبها ومضمونها يحمل على الشك في ذلك ، وقد سلكتها التراتيب المروية في سلك السور المكية . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هذه السّورة تتناول في مجموعها تفاخر الأفراد على بعضهم استناداً إلى مسائل موهومة ، وتذم ذلك وتلوم عليه ، ثمّ تحذرهم من حساب المعاد وعذاب جهنم ، وممّا سيسألون يوم ذاك عن النعم التي منّ اللّه بها عليهم . اسم السّورة مستل من الآية الأولى فيها . ...

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ ألهاكم التكاثر } يعني شغلكم التكاثر ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره : ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم ، وعما ينجيكم من سخطه عليكم ... عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حتى زُرْتُمُ المَقابِرَ } قال : كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعدّ من بني فلان ، وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم ...

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كلام يدلّ على أن معناه التكاثر بالمال... حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام الدّستَوائيّ ، عن قتادة ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير ، عن أبيه أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابرَ } قال : «ابنَ آدم ، ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبِست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » ...

وقوله صلى الله عليه وسلم بعَقِب قراءته : «ألهاكُمُ » : ليس لك من مالك إلا كذا وكذا ، ينبئ أن معنى ذلك عنده : ألهاكم التكاثر : المال .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي شغلكم التفاخر بالتكاثر . ثم لم يقل عمّاذا شغلهم . فيجوز أن يكون { ألهاكم } أي شغلكم { التكاثر } عن توحيد الله تعالى ، أو عن التفكر في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن ذكر البعث . ثم قوله تعالى : { ألهاكم التكاثر } { حتى زرتم المقابر } يحتمل تأويلين : أحدهما : أن يكون الغرض من الخطاب بهذه الآية آباءهم وسلفهم الذين تقدموا بالأخبار عن قبح صنيعهم ، واشتغالهم بالسفه ، فيكون هذا صلة آيات أخر نحو قوله تعالى : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم ( مهتدون ) } وقوله : { مقتدون } ( الزخرف : 22و23 ) وغير ذلك ، فكأن الله تعالى يخبرهم بآبائهم ، وينهاهم عن الاقتداء بآبائهم ؛ لأنهم تعاطوا أفعالا تخرج عن الحكمة حتى ماتوا . وذلك يقع من وجهين؛

أحدهما : أن من أنعم الله عليه نعمة فجحدها ، ولم يؤد شكرها ، استوجب المقت والعقوبة ، يقول : كيف تقتدون بآبائكم ، وإنهم كفروا بنعمة الله ، وجحدوا بها ؛ بل الواجب عليكم أن تتبعوا النبي الذي جاء هدى ، لا ما وجدتم عليه آباءكم . والثاني : أن يكون فيه علامة دلالة البعث أن آباءهم لما فعلوا ما يستوجب به المقت والعقوبة ، وماتوا من غير أن يصيبهم ذلك في دنياهم ، وأن لهم دارا أخرى يعاقبون فيها بما فعلوا . وإن كان الخطاب إذا انصرف إليهم ففيه إخبارهم عن سفههم أنه شغلهم التفاخر بالتكاثر حتى جحدوا آيات رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يكون فيه إخبار عن سفههم من وجه آخر ، وهو أن الافتخار كيف وقع بالأموات ، والتفاخر بالأموات غير مستقيم.

أو أن يكون فيه وجه ثالث : إنما تفاخروا بما لا صنع لهم فيه ؛ لأنهم إنما افتخروا بالأموال والأولاد ، وذلك من لطف الله تعالى وجميل صنعه ، فيكون في هذا كله ذكر لهم بما هم فيه من السفه والخرف .

ثم التعبير بذكر هذه الأسباب إنما وقع ، والله أعلم ، دون ما هم فيه من الكفر ؛ لأن هذه الأسباب مما يبتلى به المؤمن في بعض الأحوال ، فعيرهم الله تعالى بذلك ليكون فيه تذكرة وموعظة للمؤمنين . لو خرج ذكر الكفار من هذا لكان لا يجتنب المؤمن شيئا من هذه الأفعال . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { ألهاكم التكاثر } فقال : " يقول ابن آدم : مالي مالي ، ومالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت " ( مسلم 2958 ) . فهذا على أن الوعيد على الإطلاق من غير تصريح بأهل الكفر لموعظة المسلمين ، والله أعلم . ...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

في { ألهاكم } وجهان :

...............................................................

الثاني : أنساكم ، ومعناه ألهاكم عن طاعة ربكم ، وشغلكم عن عبادة خالقكم .

وفي { التكاثر } ثلاثة أقاويل :

أحدها : التكاثر بالمال والأولاد ، قاله الحسن .

الثاني : التفاخر بالعشائر والقبائل ، قاله قتادة .

الثالث : التشاغل بالمعاش والتجارة ، قاله الضحاك . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فالإلهاء: الصرف إلى اللهو ، واللهو: الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى ....والتكاثر: التفاخر بكثرة المناقب ...والمتفاخر متكبر ؛ لأنه تطاول بغير حق . فالتكاثر: التباهي بكثرة المال والعدد .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ألهاه عن كذا وأقهاه : إذا شغله . و { التكاثر } التباري في الكثرة والتباهي بها ، وأن يقول هؤلاء : نحن أكثر ، وهؤلاء : نحن أكثر ....والمعنى : أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات ، عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكماً بهم . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

«ألهى » معناه : شغل بلذاته ، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء ، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر ، وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح : «أألهاكم » على الاستفهام ، و { التكاثر } هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد ....

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يقول تعالى : شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها ، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر ، وصرتم من أهلها ؟ ! ....

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ ألهكم } أي أغفلكم - إلا النادر منكم - غفلة عظيمة عن الموت الذي هو وحده كاف في البعث على الزهد ، فكيف بما بعده { التكاثر } وهو المباهاة والمفاخرة بكثرة الأعراض الفانية من متاع الدنيا : المال والجاه والبنين ونحوها مما هو شاغل عن الله ....

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{ أَلْهَاكُمُ } عن ذلك المذكور { التَّكَاثُرُ } ، ولم يذكر المتكاثر به ، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون ، ويفتخر به المفتخرون ، من التكاثر في الأموال ، والأولاد ، والأنصار ، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر ، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى . ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمراد بالخطاب : سادتُهم وأهلُ الثراء منهم ....ولأن سادة المشركين هم الذين آثاروا ما هم فيه من النعمة على التهمّم بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فتصدَّوا لتكذيبه وإغراء الدهماء بعدم الإِصغاء له . فلم يُذكَر المُلْهَى عنه لظهور أنه القرآن والتدبر فيه ، والإِنصاف بتصديقه . وهذا الإِلهاء حصل منهم وتحقق كما دل عليه حكايته بالفعل الماضي . وإذا كان الخطاب للمشركين فلأن المسلمين يعلمون أن التلبس بشيء من هذا الخلق مذموم عند الله ، وأنه من خصال أهل الشرك فيعلمون أنهم محذرون من التلبس بشيء من ذلك فيحذرون من أن يُلهيهم حب المال عن شيء من فعل الخير ، ويتوقعون أن يفاجئهم الموت وهم لاهون عن الخير ، ...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

ولم يذكر هنا في أي شيء كانت المكاثرة التي ألهتهم . قال ابن القيم : ترك ذكره ، إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به ، وإما إرادة الإطلاق . ا ه . ويعني رحمه الله بالأول : ذم الهلع ، والنهم . وبالثاني : ليعم كل ما هو صالح للتكاثر به ، مال وولد وجاه ، وبناء وغراس ..... وقد جاءت نصوص من كتاب الله تدل على أن التكاثر الذي ألهاهم ، والذي ذمَّهم الله بسببه ، أو حذَّرهم منه ، إنما هو في الجميع ....

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وهذه السورة يدور الحديث فيها عن استغراق الغافلين ، في شؤونهم المادية ، ومصالحهم الشخصية ، حتى يدركهم الأجل ، وهم لم يتزودوا لآخرتهم بأي زاد من العمل الصالح ....{ ألهاكم التكاثر1 } ، أي : ألهاكم الانهماك في التفاخر والتكاثر من الأموال والأولاد عن طاعة الله ، وأداء حقوقه وحقوق خلقه ، { حتى زرتم المقابر2 } ، أي : حتى أتاكم الموت ودفنتم في القبور ، دون أن تقدموا بين أيديكم ما ينفعكم عند الله . والتعبير هنا بلفظ " زرتم المقابر " دون التعبير مثلا ب(سكنتم المقابر) فيه إشارة واضحة إلى أن إقامة الإنسان في قبره بعد الموت إنما هي مجرد إقامة مؤقتة ، شبيهة بالزيارة أياما معدودة ، لا سكنى مستمرة ، أما منزله الذي سيسكنه وسيستقر فيه فهو إما الجنة وإما النار .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

{ ألهاكم التكاثر } شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد والعدد عن طاعة الله تعالى .

{ حتى زرتم المقابر } حتى أدرككم الموت على تلك الحالة ، نزلت في اليهود قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالا .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية في قول جميع المفسرين ، وروى البخاري أنها مدنية ، وهي ثماني آيات .

فيه خمس مسائل :

الأولى- قوله تعالى : { ألهاكم التكاثر } ألهاكم : شغلكم . قال :

فألهيتُها عن ذي تمائم مُغْيِلِ{[16331]}

أي شغلكم المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة الله ، حتى متم ودفنتم في المقابر . وقيل : ألهاكم : أنساكم . " التكاثر " : أي من الأموال والأولاد ، قاله ابن عباس والحسن . وقال قتادة : أي التفاخر بالقبائل والعشائر . وقال الضحاك : أي ألهاكم التشاغل بالمعاش والتجارة . يقال : لهيت عن كذا ( بالكسر ) ألهى لهيا ولهيانا : إذا سلوت عنه ، وتركت ذكره ، وأضربت عنه . وألهاه : أي شغله . ولهاه به تلهية أي علله . والتكاثر : المكاثرة . قال مقاتل وقتادة وغيرهما : نزلت في اليهود حين قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالا . وقال ابن زيد : نزلت في فخذ من الأنصار . وقال ابن عباس ومقاتل والكلبي : نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف ، وبني سهم ، تعادوا وتكاثروا بالسادة والأشراف في الإسلام ، فقال كل حي منهم : نحن أكثر سيدا ، وأعز عزيزا ، وأعظم نفرا ، وأكثر عائذا ، فكثر بنو عبد مناف سهما . ثم تكاثروا بالأموات ، فكثرتهم سهم ، فنزلت { ألهاكم التكاثر } بأحيائكم فلم ترضوا { حتى زرتم المقابر } مفتخرين بالأموات . وروى سعيد عن قتادة قال : كانوا يقولون نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعد من بني فلان ، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله مازالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم . وعن عمرو بن دينار : حلف أن هذه السورة نزلت في التجار . وعن شيبان عن قتادة قال : نزلت في أهل الكتاب . قلت : الآية تعم جميع ما ذكر وغيره . وفي صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } قال : " يقول ابن آدم : مالي مالي ! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت [ وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " {[16332]} ] . وروى البخاري عن ابن شهاب : أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن لابن آدم واديا من ذهب ، لأحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فاه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ) . قال ثابت عن أنس عن أبي : كنا نرى هذا من القرآن ، حتى نزلت { ألهاكم التكاثر } . قال ابن العربي : وهذا نص صحيح مليح ، غاب عن أهل التفسير فجهلوا ، والحمد لله على المعرفة . وقال ابن عباس : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { ألهاكم التكاثر } ، قال : ( تكاثر الأموال : جمعها من غير حقها ، ومنعها من حقها ، وشدها في الأوعية ) .


[16331]:هذا عجز من معلقة امرىء القيس، وصدره: فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * ويروى: "تمائم تحول"، أي قد أتى عليه الحول، و"المغيل": الذي تؤتى أمه وهي ترضعه.
[16332]:ما بين المربعين من رواية أبي هريرة في سند آخر، لا من رواية معارف (راجع صحيح مسلم).
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

لما أثبت في القارعة أمر الساعة ، وقسم الناس فيها إلى شقي وسعيد ، وختم بالشقي ، افتتح هذه بعلة الشقاوة ومبدأ الحشر لينزجر السامع عن هذا السبب ، ليكون من القسم الأول ، فقال ما حاصله : انقسمتم ، فكان قسم منكم هالكاً ؛ لأنه { ألهكم } أي أغفلكم - إلا النادر منكم - غفلة عظيمة عن الموت الذي هو وحده كاف في البعث على الزهد ، فكيف بما بعده { التكاثر * } وهو المباهاة والمفاخرة بكثرة الأعراض الفانية من متاع الدنيا : المال والجاه والبنين ونحوها مما هو شاغل عن الله ، فكان ذلك موجباً لصرف الهمة كلها إلى الجمع ، فصرفكم ذلك إلى اللهو ، فأغفلكم عما أمامكم من الآخرة والدين الحق ، وعن ذكر ربكم ، وعن كل ما ينجيكم من سخطه ، أو عن المنافسة في الأعمال الموصلة إلى أعلى الدرجات بكثرة الطاعات ، وذلك كله لأنكم لا تسلمون بما غلب عليكم من الجهل الذي سببه شهوة النفس وحب الراحة فخفت موازينكم ، وحذف هذا الشيء الملهو عنه لتعظيمه والدلالة على أنه ليس غيره مما يؤسف على اللهو عنه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، وآياتها ثمان .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألهاكم التّكاثر 1 حتى زرتم المقابر 2 كلا سوف تعلمون 3 ثم كلا سوف تعلمون 4 كلا لو تعلمون علم اليقين 5 لترونّ الجحيم 6 ثم لترونّها عين اليقين 7 ثم لتسئلنّ يومئذ عن النعيم } .

يبين الله في هذه الآيات حال الإنسان الذاهل المنشغل بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عن الآخرة . فهو على حاله من اللهو والسهو والغفلة عن أمر ربّه حتى يفاجئه الموت ، فيصار به إلى جهنم مع الخاسرين . فقال سبحانه : { ألهاكم التكاثر } أي شغلكم حبّ المال والمباهاة بكثرته عن دين الحق . أوأنساكم التفاخر بالأموال والأولاد طاعة الله .