{ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون( 24 ) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين( 25 )*فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم( 26 ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين( 27 ) } .
24-{ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون }
قدّم إبراهيم إلى قومه عددا من الأدلة على وجود الله ، وحثّهم على السير في الأرض والتأمل فيها ، والاعتبار بمن سبقهم من الأمم ، فبماذا أجابوه ؟
ما كان جوابهم مقارعة للحجة بالحجة ، ولا مقابلة للبرهان بالبرهان ، بل قالوا : اقتلوه بأداة قتل ، أو حرّقوه بالنار حتى تستريحوا منه ، وفعلا استقر رأيهم على تحريقه بالنار ، فجمعوا حطبا كثيرا جدا ، ولم يستطيعوا الاقتراب من النار ، فاهتدوا إلى المنجنيق ليقذفوه في النار من بعيد ، لكن الله تعالى جعل النار بردا وسلاما عليه ، فلم تحرق سوى الحبل الذي أوثق به ، وجعل الله ذلك آية على قدرته ، ودليلا على صدق إبراهيم ، ومعجزة له ، حتى يؤمن برسالته من شارف الإيمان قبله ، وقد ذكرت هذه المعاني في سور عديدة من القرآن الكريم .
قال تعالى : { قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين*قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم* وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين } [ الأنبياء : 68-70 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم*فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين } [ الصافات : 97 ، 98 ] .
{ 24-25 } { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
أي : فما كان مجاوبة قوم إبراهيم إبراهيم حين دعاهم إلى ربه قبول دعوته ، والاهتداء بنصحه ، ورؤية نعمة اللّه عليهم بإرساله إليهم ، وإنما كان مجاوبتهم له شر مجاوبة .
{ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } أشنع القتلات ، وهم أناس مقتدرون ، لهم السلطان ، فألقوه في النار { فَأَنْجَاهُ اللَّهُ } منها .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فيعلمون صحة ما جاءت به الرسل ، وبِرَّهُمْ ونصحهم ، وبطلان قول من خالفهم وناقضهم ، وأن المعارضين للرسل كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا على التكذيب .
ثم عاد الخطاب إلى قصة إبراهيم فقال : " فما كان جواب قومه " حين دعاهم إلى الله تعالى : " إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه " اتفقوا على تحريقه " فأنجاه الله من النار " أي من إذايتها " إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " أي إنجائه من النار العظيمة حتى لم تحرقه بعد ما ألقي فيها " لآيات " . وقراءة العامة : " جواب " بنصب الباء على أنه خبر كان و " أن قالوا " في محل الرفع اسم كان وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار : " جواب " بالرفع على أنه اسم " كان " و " أن " في موضع الخبر نصبا .
ولما ختم سبحانه هذه الجملة الاعتراضية بما ابتدأها به وبما ختم به ما قبلها من كلام الخليل عليه الصلاة والسلام ، وزاد هذا ما ترى من التهديد الشديد ، شرع في إكمال قصته عليه الصلاة والسلام دالاً على أنه لا أحد يعجزه ، ولا يقدر على نصر أحد من عذابه الأليم ، مشيراً إلى أنهم سببوا عن قوله ضد ما يقتضيه إيذاناً بالعناد ، والإصرار على سوء الاعتقاد ، فقال : { فما كان جواب قومه } أي الذين يرجى قبولهم لنصحه علماً منهم بوفور شفقته وعظم أمانته ونصيحته { إلا أن قالوا } بأعظم فظاظة { اقتلوه } أي بالسيف { أو حرقوه } أي بالنار .
ولما استقر رأي الجميع على هذا الثاني ، ولم يكن له فيهم نصير ، أشار إليه سبحانه بقوله ناسقاً له على ما تقديره : فأبى المعظم القتل لأنه عذاب مألوف لمن يستحقه من المجرمين ، وهو قد عمل عملة مفردة في الدهر فالذي ينبغي أن يخص العذاب عليها بعذاب لم يعهد مثله وهو الإحراق على هيئة غريبة ، فرجعوا عن القتل واستقر رأيهم على الإحراق فجمعوا له حطباً إلى أن ملأ ما بين الجبال ، وأضرموا فيه النار حتى أحرقت ما دنا منها بعظيم الاشتعال ، وقذفوه فيها بالمنجنيق { فأنجاه الله } بما له من كمال العظمة إنجاء وحيّاً من غير احتياج إلى تدريج { من النار } أي من إحراقها وأذاها ، ونفعته بأن أحرقت وثاقه .
ولما اشتملت قصته بهذا السياق على دلائل واضحات ، وأمور معجزات ، عظم أمرها سبحانه بقوله مؤكداً لمزيد التنويه بذكرها ، وتنزيلاً لهم في توقفهم عما دعت إليه الآيات الظاهرة من الإيمان منزلة المنكر لها : { إن في ذلك } أي ما ذكر من أمره وما خللت به قصته من الحكم { لآيات } أي براهين قاطعة في الدلالة على جميع أمر الله من تصرفه في الأعيان والمعاني ، لكون النار لم تحرقه وأحرقت وثاقه وكل ما مر عليها من طائر ، ومع رؤية ذلك لم يؤمنوا ولم يقدروا على ضرره بشيء غير ذلك .
ولما كان ما للشيء إنما هو في الحقيقة ما ينفعه ، وكان قد حجبها سبحانه بالشهوات والحظوظ الشاغلة عن استعمال نور العقل ، قال : { لقوم يؤمنون* } أي يقبلون على استعمال نور العقل الذي وهبهموه الله فيصدقون بالغيب حتى صار الإيمان -بكثرة ما صقلوا مرائي قلوبهم بالنظر في أسبابه - لهم خلقاً بحيث إنهم في كل لحظة يجددون الترقي في مراتبه ، والتنقل في أخبيته ومضاربه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.