{ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون . }
فرقوا دينهم : اختلفوا فيما يعبدونه على حسب اختلاف أهوائهم .
شيعا : فرقا ، تشايع كل فرقة إمامها الذي مهد لها دينها وقرره ووضع أصوله .
كل حزب : الحزب : الطائفة من الناس والجمع : أحزاب .
أي لا تكونوا من المشركين الذي اختلفوا في شان دينهم اختلافات شتى ، على حسب أهوائهم ، وصاروا شيعا وفرقا وأحزابا متنازعة .
أي كل حزب منهم صار مسرورا بما لديه من دين باطل ، وملة فاسدة ، وعقيدة زائفة ، وهذا الفرح بالباطل سببه جهلهم وانطماس بصائرهم عن الانقياد للحق .
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير ما يأتي :
منيبين إليه واتقوه . . . أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك .
أراد إخراج العبد عن الشرك الخفي ، أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله ، ولا تطلبوا به إلا رضاء الله ، فإن من حصل على رضا الله ، فقد حصل على سعادة الدنيا والآخرة .
{ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا . }
يعنى لم يجتمعوا على الإسلام ، وذهب كل واحد إلى مذهب ، ويحتمل أن يقال وكانوا شيعا . . . يعني بعضهم عبد الله للدنيا ، وبعضهم للجنة ، وبعضهم للخلاص من النار ، وكل واحد بما في نظره فرح ، وأما المخلص فلا يفرح بما يكون لديه ، وإنما يكون فرحه بأن يرضي الله ، ويقف بين يديه ، وذلك لأن كل ما لدينا نافد لقوله تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق . . . ( النحل : 96 ) فلا مطلوب لكم فيما لديكم حتى تفرحوا به ، وإنما المطلوب ما لدى الله وبه الفرح ، كما قال تعالى :
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله . . . ( آل عمران : 169-170 ) .
جعلهم فرحين بكونهم عند ربهم ويكون ما أوتوا من فضله الذي لا نفاد له .
ولذلك قال تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا . . . ( يونس : 58 ) لا بما عندهم فإن كل ما عند العبد نافد . x
ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقال : { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ } مع أن الدين واحد وهو إخلاص العبادة للّه وحده وهؤلاء المشركون فرقوه ، منهم من يعبد الأوثان والأصنام . ومنهم من يعبد الشمس والقمر ، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى .
ولهذا قال : { وَكَانُوا شِيَعًا } أي : كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل ومنابذة غيرهم ومحاربتهم .
{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ } من العلوم المخالفة لعلوم الرسل { فَرِحُونَ } به يحكمون لأنفسهم بأنه الحق وأن غيرهم على باطل ، وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل ، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد .
وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة ، والأخوة الإيمانية قد عقدها اللّه وربطها أتم ربط ، فما بال ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا ، ويتميز بها بعضهم عن بعض ؟
فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مقاصده التي كاد بها للمسلمين ؟
وهل السعي في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الأصل الباطل ، إلا من أفضل الجهاد في سبيل اللّه وأفضل الأعمال المقربة إلى اللّه ؟
ولما أمر تعالى بالإنابة إليه -وكان المأمور بها هي الإنابة الاختيارية ، التي تكون في حَالَي العسر واليسر والسعة والضيق- ذكر الإنابة الاضطرارية التي لا تكون مع الإنسان إلا عند ضيقه وكربه ، فإذا زال عنه الضيق نبذها وراء ظهره وهذه غير نافعة فقال : { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.