تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (56)

51

56-{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين }

كان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه وذوي قرابته ، خصوصا عمه أبا طالب ، الذي بذل نفسه لحماية ابن أخيه والدفاع عنه ، حمية وعصبية لا من أجل العقيدة ، لقد كان أبو طالب صخرة تحطمت عليها أطماع قريش في النيل من النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذل الكثير من أجل حمايته والدفاع عنه ، وتحمل أبو طالب المقاطعة في شعب بني هاشم مع كبر سنه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية عمه إلى الإسلام ، ضنينا به أن يعذب في نار جهنم ، والله تعالى وحده يعلم من هو الشخص الذي سبقت له الهداية ، ومن هو الشخص الذي ختم على قلبه فلا يقبل الهداية ، فما أجل هذا الإسلام ، وما أعظم الهدف ، وما أسمى وأعدل الحكمة الإلهية ، ابن نوح عليه السلام يغرق مع الكافرين ، ويحاول أبوه أن يشفع له فيقول له الله تعالى : { قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين } [ هود : 46 ] .

وهنا يثوب نوح إلى الحقيقة الثابتة ، والعدالة الإلهية ، وهي أن كل إنسان بما كسب رهين ، فلا ينفع الإنسان علو درجة أقرب الناس إليه ، ولا يضره تهاوي أقرب الناس إليه ، وأمثلة ذلك كثيرة : إبراهيم عليه السلام دعا أباه للإسلام ، واعتزله واستغفر له ، ثم تبرأ منه عندما علم أنه عدو لله ، امرأة نوح وامرأة لوط خانتاهما فدخلتا النار ، امرأة فرعون أسلمت وآمنت وتحملت الآلام ، فجعلها الله مثلا أعلى للذين آمنوا .

وقد ثبت في الصحيحين : أن الآية نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال الزهري : حدثني سعيد بن مسيب عن أبيه –وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه- قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية ابن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عم ، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله )xxii فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ، ويعودان له بتلك المقالة ، حتى كان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والله لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك ) فأنزل الله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى . . } [ التوبة : 113 ] .

وأنزل في أبي طالب : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . . }

وروى الترمذي من حديث يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا عماه ، قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة )xxiii فقال : لولا أن تعيرني بها قريش ، يقولون ما حمله عليها إلا جزع الموت ، لأقررت بها عينك ، لا أقولها إلا لأقر بها عينك ، فأنزل الله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } .

وخالف في ذلك الشيعة ، وقالوا بإيمان أبي طالب ، وادعوا إجماع أئمة أهل البيت على ذلك .