تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

المفردات :

هالك : فان .

إلا وجهه : إلا ذاته ، فالوجه مجاز عن الذات ، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل .

التفسير :

88-{ ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } .

إن سورة القصص التي ذكرت قصة موسى ، ورعاية الله له حتى أدى رسالته ، ثم أغرق الله فرعون ونجى موسى ، كما ذكرت قرب الختام قصة قارون ونهايته إلى الخسف والهلاك ، تأخذ بيدنا إلى أن الخيوط كلها مرتبطة بيد القدرة الإلهية التي تفعل ما تريد ، فمن وجد الله وجد كل شيء ، ومن فقد الله فقد كل شيء .

{ ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو . . }

لا تعبد مع الله الواحد الأحد إلها آخر ، سواء أكان صنما أم وثنا أم جنا أم ملائكة ، أم نجما أم حيوانا ، لأن هذه آلهة مدّعاة ، لا حقيقة لها ، وليس هناك إله بحق إلا الله ، لا إله إلا هو . ولا معبود بحق سواه ، وفي معنى ذلك قوله تعالى : { قل هو الله أحد* الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفؤا أحد } [ الإخلاص : 1-4 ]

{ كل شيء هالك إلا وجهه . . }

كل ما تراه في هذه الدنيا يدركه الفناء والموت والهلاك ، إلا ذات الله المقدسة ، فهو الدائم الباقي ، الحي القيوم الذي يميت الخلائق ولا يموت ، كما قال سبحانه : { كل من عليها فان*ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } [ الرحمان : 26 ، 27 ] .

وقال عز شأنه : { كل نفس ذائقة الموت . . } [ آل عمران : 185 ] .

أي : كل إنسان يموت ، وكل حيوان يموت ، تلك سنّة الله في هذه الحياة ، أي يهلك جيل ، لينشأ جيل آخر ، حتى تتسع رقعة الأرض للناس ، جيلا بعد جيل ، والله خالق الأرض ، وهو الذي قدّر فيها أرزاقها وأقواتها ، وهو الذي خلق الموت والحياة ، وأحكم الخلق ، وقدّر الأمور ، تقدير الحكيم العليم ، فهو الإله وحده ، وهو غني عن العالمين ، والناس فقراء إليه ، يخلقهم ويرزقهم ويميتهم ويحييهم .

وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أصدق كلمة قالها شاعر ، لبيد حين يقول : ألا كل شيء ما خلا الله باطل )xxxvii .

وقال تعالى : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } [ الحديد : 3 ]

فهو سبحانه قبل كل شيء وليس قبله شيء ، وهو سبحانه آخر كل شيء وليس بعده شيء ، وكل الذوات فانية زائلة ، إلا ذاته سبحانه وتعالى ، فهو منزه عن الفناء والموت ، والنوم ومشابهة الحوادث ، ومتصف بكل كمال ، ومنزه عن كل نقص ، وهو سبحانه حي لا يموت ، والإنس والجن يموتون .

{ له الحكم . . } له الأمر والتصرف ، والقضاء النافذ في الخلق ، وبيده الخلق والأمر .

{ وإليه ترجعون } فيجازيكم بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا .

وبهذا الختام نجد الآية لوحة هادفة في تقرير الألوهية والوحدانية والبقاء لله تعالى ، وأن الحكم بيده ، فهو سبحانه يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ومصير الخلائق بيده ، ليقضي بينهم بالحكم والعدل .

فلا معنى لعبادة إله آخر غير الله ، ما دامت خيوط القدرة كلها بيده سبحانه ، وما دام هو الأول والآخر ، والباقي بعد فناء جميع الموجودات ، والمتصرف تصرفا مطلقا في هذا الكون ، وإليه المرجع والمآب .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، ولله تعالى الفضل والمنة ، وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

ختام السورة:

خلاصة ما تضمنته سورة القصص :

1- قصة موسى وفرعون .

2- ولادة موسى ، رضاعه ، نشأته .

3- قتل موسى للقبطي ، وهربه إلى أرض مدين .

4- زواج موسى ، وبقاؤه في أرض مدين عشر سنين .

5- عودة موسى إلى مصر ، ومناجاته ربه .

6- معجزات موسى من العصا واليد البيضاء .

7- تبليغ موسى رسالة ربه إلى فرعون ، وتكذيب فرعون له .

8- هارون وزيرا لموسى ، ورسولا معه .

9- إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لإخباره عن قصص الأولين دون أن يكون حاضرا معهم .

10- إنكار قريش لنبوة محمد ، وانتحالهم المعاذير لتكذيبه ، وتفنيد القرآن لحججهم ، ودحض أكاذيبهم .

11- التذكير بنعمة الله على عباده باختلاف الليل والنهار .

12- شهادة الأنبياء على أممهم .

13- ذكر قارون وبغيه في الأرض ، ثم خسف الأرض به .

14- ثواب الآخرة للمتقين لا للمفسدين .

15- الإنباء بالغيب عن نصر الله لرسوله ، وفتحه لمكة .

16- بيان أن كل ما في الوجود هالك ، إلا الله تبارك وتعالى .

i - أي : المؤمن يعبد الله فيستفيد من العبادة نظافة القلب ، وثقة النفس ، وثبات اليقين ، وهدوء البال ، وصحة الجسم والروح ، ثم ينال ثواب العبادة في جنة عرضها السماوات والأرض يوم القيامة ، وبذلك ينال أجره مضاعفا : مرة في الدنيا ، ومرة في الآخرة .

ii - إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى :

رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ح 3464 ، ومسلم في الزهد ح 2964 ، 3005 ، وأحمد ح 16 ، كلهم من حديث أبي هريرة .

iii - إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم يكلمون وإنه :

رواه البخاري في المناقب ح 3469 ، 3689 ، من حديث أبي هريرة ، ورواه مسلم ح2398 ، وأحمد 23764 ، والترمذي 3693 ، من حديث عائشة .

تنبيه : حديث عائشة رضي الله عنها ليس فيه " يكلمون " إنما ذكرت فيه " محدثون " .

iv - إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على :

رواه مسلم 2567 ، وأحمد 7859 ، 10222 من حديث أبي هريرة : " مدرجته " الطريق ، سميت به لأن الناس يدرجون فيها . أي : يمشون .

v - إن لله ملائكة طوافين عليكم :

رواه البخاري 6408 من حديث أبي هريرة ورواه الترمذي 3600 ، وأحمد 7376 ، قال الأعمش : من حديث أبي هريرة أو أبي سعيد –شك الأعمش . -

vi - هو :

أستغفر الله لذنبي كله قتلك إنسانا بغير حلّه

مثل غزال ناعم في دله أنتصف الليل ولم أصلّه

vii - مثل المؤمن كأم موسى :

ذكره الغزالي في " الإحياء " ، كتاب الحج ، الباب الثاني : في ترتيب الأفعال الظاهرة ، بلفظ : " مثل الذي يغزو ويأخذ أجرا مثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها " وقال العراقي : أخرجه ابن عدي من حديث معاذ ، وقال : مستقيم الإسناد ، منكر المتن .

وكذلك أخرجه أبو داود في المراسيل ، عن جبير بن نفير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل – يعني : يتقوون على عدوهم- مثل أم موسى ، ترضع ولدها وتأخذ أجرها ) نقلا عن السيوطي في " الدر المنثور " المجلد السادس- تفسير سورة القصص ، وصححه وذكره السيوطي كذلك في " الجامع الصغير " 8143 ، ونسبه لأبي داود في مراسيله ، والبيهقي في السنن عن جبير بن نفير مرسلا .

viii - من ولى شيئا من أمر المسلمين .

تقدم تخريجه .

ix - لا نكاح إلا بولي :

أبو داود 2085 ، وأحمد 19024 ، 19211 ، 19247 ، 2260 ، وابن ماجة 1881 ، والترمذي 1101 ، والدارمي 2182 ، 2183 ، من حديث عبد الله بن عباس . ورواه أحمد 25703 ، وابن ماجة 1880 ، من حديث عائشة ، وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وعمران .

x - قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل :

رواه البخاري في التفسير 2684 ، عن عبد الله بن عباس .

xi - في ظلال القرآن 20/ 63 .

xii - تفسير القرطبي 6/ 5144 .

xiii - أيسر التفاسير : أبو بكر الجزائري ، مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة 4/ 70 .

xiv - مختصر تفسير ابن كثير تحقيق الصابوني 3/ 14 .

xv - الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني واحدا منهما :

أبو داود في اللباس 4090 ، وأحمد 7335 ، 8677 ، 9095 ، 9224 ، 9410 ، وابن ماجة في الزهد 4174 ، من حديث أبي هريرة ، ورواه ابن ماجة أيضا 4175 ، من حديث عبد الله بن عباس .

xvi - من سن سنة حسنة كان له أجرها :

رواه مسلم في العلم 1017 ، وفي الزكاة 2554 ، والدارمي في المقدمة 512 ، 514 ، والترمذي في العلم 2675 ، وابن ماجة في المقدمة 203 ، وأحمد 18675 ، 18701 ، 18718 ، 18720 ، من حديث جرير بن عبد الله البجلي ، ورواه أحمد 10178 ، 10370 ، من حديث أبي هريرة ، ورواه أحمد أيضا 22778 من حديث حذيفة ورواه ابن ماجة في المقدمة 207 من حديث وهب بن عبد الله .

xvii - مختصر تفسير ابن كثير تحقيق الصابوني 3/ 16 .

xviii - مختصر تفسير ابن كثير تحقيق الصابوني 3/17 .

xix - تفسير ابن كثير .

xx - ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين :

رواه البخاري في الجهاد والسير 3011 ، ومسلم في الإيمان 154 ، والنسائي في النكاح 3344 ، والدارمي في النكاح 2244 ، والترمذي 1116 في النكاح ، وأحمد 19105 ، 19137 من حديث عبد الله بن قيس " أبي موسى الأشعري " .

xxi - من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين :

رواه أحمد 21731 من حديث صدي بن عجلان " أبي أمامة الباهلي " وزاد فيه : " ومن أسلم من المشركين " ، وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " كتاب الإيمان ، باب : فيمن أسلم من أهل الكتاب وغيرهم ، وقال : رواه أحمد ، والطبراني في الكبير ، وفيه القاسم أبو عبد الرحمان وقد ضعفه أحمد وغيره . قلت : في إسناده ابن لهيعة ، وهو ضعيف أيضا .

xxii - أخرجه البخاري ، باب : قصة أبي طالب 5/ 65-66 ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب : أول الإيمان قولة لا إله إلا الله 1/54 .

xxiii - يا عماه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها :

رواه مسلم في الإيمان 25 ، والترمذي 3188 ، وأحمد 9327 ، 9394 من حديث أبي هريرة ، وانظر ما قبله .

xxiv - وأجاز المفسرون أن تكون " لو " شرطية وجوابها محذوف ، والتقدير : لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين إلى طريق الحق لما أصابهم هذا العذاب المهين .

xxv - اللهم خر لي واختر لي :

رواه الترمذي في الدعوات 3516 من حديث أبي بكر الصديق وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل ، وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ويقال له : زنفل بن عبد الله العرفي ، وكان يسكن عرفات ، وتفرد بهذا الحديث ولا يتابع عليه .

قال النووي في " الأذكار " باب دعاء الاستخارة ، وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف ، ضعفه الترمذي وغيره- فأشار إلى ضعفه .

وقال العجلوني في " كشف الخفا " 558 : رواه الترمذي ، والبيهقي في الشعب ، عن عائشة ، بسند فيه زنفل بن عبد الله ضعيف ، قال النجم : روى الترمذي وأبو يعلى والبيهقي وضعفه عن أبي بكر الصديق .

xxvi - يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات :

رواه ابن السني [ 603 ] من حديث أنس ، وذكره السيوطي في " الجامع الصغير " 882 وعزاه لابن السني في عمل اليوم والليل ، والديلمي في مسند الفردوس عن أنس ، وقال السيوطي : ضعيف .

قال المناوي في " فتح القدير شرح الجامع الصغير " فيه إبراهيم بن البراء ، قال الذهبي في الضعفاء : اتهموه بالوضع عن أبيه وهو ضعيف ، وقال النووي في الأذكار : إسناد غريب فيه من لم أعرفهم ، وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه لابن السني : هذا الحديث لو ثبت كان هو المعتمد ، لكن إسناده واه جدا .

xxvii - اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك :

رواه البخاري في الجمعة 1166 ، وفي الدعوات 6382 ، وفي التوحيد 7390 ، وأبو داود في الصلاة 1538 ، والترمذي في الصلاة 480 ، والنسائي في النكاح 3253 ، وابن ماجه في إقامة الصلاة 1383 ، وأحمد 14279 ، كلهم من حديث جابر ، ومعنى : " فاقدره لي " ، أي : اجعله مقدورا لي ، أو قدره ، وقيل : معناه يسره لي .

xxviii - التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر .

xxix - التفسير الوسيط : تأليف لجنة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ، وانظر تفسير ابن كثير ، ومختصر تفسير ابن كثير تحقيق الصابوني ، حيث علق الصابوني في الهامش باستحسان كلام ابن كثير في رد هذا الرأي الأخير .

xxx - قيل : هم جماعة من المؤمنين : تمنوا أن تكون لهم دنيا كدنيا قارون ، جريا على سنة البشر في حب التوسع فيها ، وقيل : هم جماعة من الكفار أو المنافقين الذين لا همّ لهم إلا دنياهم ، والظاهر مع الرأي الأول .

xxxi - بينا رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل :

رواه البخاري 3485 ، 5790 ، وأحمد 5318 ، والنسائي في الزينة 5326 ، من حديث عبد الله بن عمر ، ورواه البخاري في اللباس 5789 ، ومسلم في اللباس 2088 ، والدارمي في المقدمة 437 ، وأحمد 7574 ، 8822 ، 9082/ 9567 ، 27261 ، 27394/ 10010 ، 10077 ، 10488 ، من حديث أبي هريرة .

ورواه الترمذي في صفة القيامة 2491 ، وأحمد 7034 ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورواه أحمد 10960 ، 10963 من حديث أبي سعيد الخدري .

xxxii - إن الله جميل يحب الجمال :

مسلم في الإيمان 91 ، والترمذي في البر والصلة 1999 . من حديث عبد الله بن مسعود .

xxxiii -إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم :

رواه أحمد 3663 ، وذكره الهيثمي في " المجمع " وقال : إسناد بعضهم مستور ، وأكثرهم ثقات ، من حديث عبد الله بن مسعود .

xxxiv -إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد :

مسلم في الجنة 2865 ، وأبو داود في الأدب 4895 ، وابن ماجة في الزهد 4179 ، من حديث عياض بن حمار ، ورواه ابن ماجة في الزهد أيضا 1214 ، من حديث أنس بن مالك .

قال البوصيري في الزوائد : هذا إسناده حسن ، للاختلاف في اسم سنان بن سعد أو سعد بن سنان .

xxxv -لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر :

رواه أبو داود في اللباس 4092 ، من حديث أبي هريرة .

وانظر حديث : ( إن الله جميل يحب الجمال ) فهو جزء من هذا الحديث .

xxxvi - أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض :

قال العجلوني في " كشف الخفا " وروى العسكري بسند ضعيف عن عدي بن حاتم ، فذكره .

xxxvii - أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد :

البخاري في المناقب 3841 ، وفي الأدب 6147 ، ومسلم في الشعر 2256 ، وابن ماجة في الأدب 3757 ، وأحمد 8866 ، 9724 من حديث أبي هريرة .