تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ} (76)

المفردات :

جن عليه الليل : ستره بظلامه .

أفل : غرب وغاب .

76- فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين . كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام والنجوم والكواكب والقمر والشمس فأراد مجاراتهم تمهيدا لهدايتهم .

وجن عليه الليل أي ستره بظلامه وتغشاه بظلمته وأصل الجن الستر عن الحاسة ، يقال جنه الليل وجن عليه يجن جنا وجنونا ، ومنه الجن والجنة بالكسر ، لأن الجن لا يرى .

والجنة بالفتح وهي البستان الذي يستر بأشجاره الأرض .

والمجن التي تستر المحارب ، والأجنة المستورة في بطون أمهاتها ، والمجنون الذي غاب عقله وذهب .

ومعنى الآية : فلما ستر الليل بظلامه إبراهيم قال هذا ربي ، قال ذلك على سبيل الفرض وإرخاء العنان ، مجارات مع عباد الأصنام والكواكب ليكر عليه بالإبطال ويثبت أن الرب لا يجوز عليه التغيير والانتقال .

قال الشوكاني في فتح القدير : وكان هذا منه عند قصور النظر لأنه في زمن الطفولية ، وقيل أراد قيام الحجة على قومه كالحاكي لما هو عندهم ، وما يعتقدونه لأجل إلزامهم .

وقال الزمخشري في تفسير الكشاف :

كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطإ في دينهم ، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها لقيام دليل الحدوث فيها ، وأن وراءها محدثا أحدثها ، وصانعا صنعها ، ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها .

وقول إبراهيم هذا ربي . قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ، فيحكي قوله ، كما روى غيره ، متعصب لمذهبه لأن ذلك أدعى إلى الحق ، وأنجى من الشغب ، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة ا . ه .

والقصة كلها درس في عقيدة الألوهية ، وتوحيد الربوبية ، وبيان قدرة الله الذي لا أول له ولا آخر بل هو الأول والآخر .

فلما أفل قال لا أحب الآفلين .

فلما غاب النجم قال لا أحب عبادة الأرباب ، المنتقلين من مكان إلى مكان ، ومن حال إلى حال ، لأن الأفول غياب وشأن الإله أن الحق يكون دائم المراقبة لتدبير أمور عباده .