فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ} (76)

قوله : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل } أي ستره بظلمته ، ومنه الجنة والمجنّ والجن كله من الستر ، قال الشاعر :

ولولا جنان الليل أدرك ركضنا *** بذي الرمث والأرطي عياض بن ثابت

والفاء للعطف على { قال إبراهيم } أي واذكر إذ قال ، وإذ جنّ عليه الليل ، فهو قصة أخرى غير قصة عرض الملكوت عليه ، وجواب لما { رَأَى كَوْكَباً } قيل : رآه من شق الصخرة الموضوعة على رأس السرب الذي كان فيه . وقيل : رآه لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس ، قيل : رأى المشتري ، وقيل الزهرة .

قوله : { هذا رَبّى } جملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا قال عند رؤية الكوكب ؟ قيل : وكان هذا منه عند قصور النظر ؛ لأنه في زمن الطفولية . وقيل : أراد قيام الحجة على قومه كالحاكي لما هو عندهم ، وما يعتقدون ، لأجل إلزامهم ، وبالثاني قال الزجاج . وقيل : هو على حذف حرف الاستفهام ، أي أهذا ربي ؟ ومعناه : إنكار أن يكون مثل هذا رباً ، ومثله قوله تعالى : { أَفَإِنْ متَّ فَهُمُ الخالدون }أي أفهم الخالدون ، ومثله قول الهذلي :

رقوني وقالوا يا خويلد لم ترع *** فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

أي أهم هم ، وقول الآخر :

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا *** بسبع رمين الجمر أم بثمانيا

أي أبسبع ، وقيل المعنى : وأنتم تقولون هذا ربي فأضمر القول ، وقيل المعنى على حذف مضاف ، أي هذا دليل ربي { فَلَمَّا أَفَلَ } أي غرب { قَالَ } إبراهيم { لا أُحِبُّ الآفلين } أي الآلهة التي تغرب ، فإن الغروب تغير من حال إلى حال ، وهو دليل الحدوث .