تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصۡنَامًا ءَالِهَةً إِنِّيٓ أَرَىٰكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (74)

التفسير :

74- وإذ قال إبراهيم لأبيه ءازر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين .

بهذه الآية تبدأ قصة إبراهيم عليه السلام ، وقد ذكرت في القرآن أكثر من مرة ، لكنها تركز في كل مرة على جانب من جوانب القصة ، وقد كان إبراهيم عليه السلام أمة وحده ، فيه أخلاق الرجال وفيه الوفاء والعزيمة ، وفيه جانب البحث والتأمل ومحاولة هداية قومه عن طريق الحوار ، وفيه صدق العزيمة ، ولو أردنا أن نسجل عناوين لقصة إبراهيم فسنجدها كالآتي :

إبراهيم وآية البعث ، إبراهيم يتلطف في دعوة أبيه .

إبراهيم يحطم الأصنام ، إبراهيم يلقى في النار .

إبراهيم ونمرود ، إبراهيم يهدي قومه عن طريق الحوار .

إبراهيم في مصر ، إبراهيم يؤمر بذبح إسماعيل .

إبراهيم وإسماعيل في بناء الكعبة ، سلام على إبراهيم .

إذا قال إبراهيم لأبيه ءازر أتتخذ أصناما ءالهة . . أي واذكر يا محمد قومك ليعتبروا ويتعظوا ، وقت ان قال إبراهيم لأبيه آزر منكرا عليه عبادة الأصنام .

أتتخذ أصناما ءالهة . أي أتجعلها آلهة لك تعبدها من دون الله الذي خلقك فسواك فعدلك .

وآزر أب لإبراهيم عليه السلام ، كما هو ظاهر النص القرآني ، وقيل إن اسم والد إبراهيم ( تارخ ) وقيل كان له اسمان آزر وتارخ ( 108 ) .

وكان آزر وقومه يعبدون الأصنام ، والشمس ، والقمر و الكواكب .

إني أراك وقومك في ضلال مبين . أي : إني أراك وقومك الذين يتبعونك في عبادتها في ضلال عن الحق ، ظاهرين . . . وفي هذا تبكيت وتقريع لهم على هذا المسلك ، الذي يتنافى مع ما يقتضيه العقل السليم والفطرة الصحيحة .

وقد ذكر الألوسي في تفسيره : أن آزر بزنة آدم علم أعجمي لأبي إبراهيم – عليه السلام – وكان من قرية من سواد الكوفة ، وقيل إن آزر لقب لأبي إبراهيم واسمه الحقيقي تارخ .

وذكر الشيخ القاسمي في تفسيره :

أن الآية حجة على الشيعة في زعمهم أنه لم يكن أحد من آباء الأنبياء كافرا ، وأن آزر عم إبراهيم لا أبوه ، وذلك لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، ومثله لا يجزم به من غير نقل .

كما نقل الشيخ القاسمي أن ثمرة الآية الدالة على وجوب النصيحة في الدين لا سيما للأقارب فإن من كان أقرب فهو أهم ، ولهذا قال تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين .

وقال تعالى : قوا أنفسكم وأهليكم نارا .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ) ( 109 ) .

ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي وخديجة وزيد ثم بسائر قريش ثم بالعرب ثم بالموالى .

وبدأ إبراهيم بأبيه ثم بقومه ، وتدل الآية على أن النصيحة في الدين ليست من العقوق .

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني ؟ ، فيقول أبوه ، فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم يا رب أنت وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ، فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين . ( 110 ) .