الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ} (76)

قوله : { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } الآية [ 77 و78 و 79 ] .

المعنى : فلما ستر إبراهيم الليل بظلمته ، - ( يقال : جنَّ عليه الليل ( و ){[20547]} ( جنَّه ){[20548]} ، وأجنَّ{[20549]} عليه ، وأجنَّه ){[20550]} .

{ رأى كوكبا } : أي : أبصر{[20551]} . والكوكب : الزهرة{[20552]} . وقال السدي : وهو المشتري{[20553]} . قال ابن عباس : عبد الكوكب حتى غاب ، فلما غاب ، { قال لا أحب الأفلين } ، وكذلك فعل بالقمر والشمس{[20554]} ، فلما غابا { قال يا قوم إني بريء مما تشركون }{[20555]} .

وكان بين نوح وإبراهيم : هود وصالح ، وكان النمرود{[20556]} في زمن{[20557]} إبراهيم ، وكان من خبر إبراهيم مع النمرود : ( أن النمرود ){[20558]} – قبل{[20559]} مولد إبراهيم – أتاه أهل النجوم يخبرونه أن يجدون في عملهم : أن غلاما يولد في قريتك هذه ، يقال له ( إبراهيم ) ، يفارق{[20560]} دينكم ويكسر أوثانكم{[20561]} ، في{[20562]} وقت كذا يولد . فلما كان ذلك الوقت ، حبس نمرود كل امرأة حبلى عنده إلا أم إبراهيم ، فإنه لم يعلم بحبلها لما أراد الله من أمره ، فجعل نمرود لا تلد امرأة ( غلاما في ذلك الوقت ){[20563]} إلا ذبحه ، فلما وجدت أم إبراهيم الطلق ، خرجت ليلا إلى مغارة ، فولدت فيها إبراهيم ، وأصلحت من شأنه ما يُصنع بالمولود ، ثم سدت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها وكانت تطالعه{[20564]} في المغارة لتنظر{[20565]} ما فعل ، فتجده حيا يمص أصابعه{[20566]} جعل الله له رزقا فيها . وكان اليوم على إبراهيم في الشباب كالشهر ، والشهر كالسنة ، وكانت أمه قالت{[20567]} : ( لآزر أبيه ){[20568]} : قد ولدت غلاما فمات . فصدقها فلما بلغ إبراهيم في المغارة خمس عشرة{[20569]} ، قال لأمه : أخرجيني{[20570]} أنظر{[20571]} . فأخرجته عشاء ، فنظر وتفكر في خلق السماوات والأرض ، وقال : ( إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني{[20572]} لَرَبّي{[20573]} ، ما لي إله ( غيره ) . ثم نظر إلى السماء فرأى كوكبا ، { قال هذا ربي }{[20574]} ، ثم اتبعه ينظر إليه ( ببصره ){[20575]} حتى غاب ، ( فلما غاب ){[20576]} ، { قال لا أحب الآفلين }{[20577]} أي : الغائبين ، ثم فعل ذلك بالقمر ، ثم بالشمس . ثم أتى إبراهيم أباه آزره وأخبرته ( أمه به ){[20578]} فَسُرَّ ( به ){[20579]} ، وكان آزر يصنع أصنام قومه التي يعبدون ، ثم يعطيها إبراهيم يبيعها{[20580]} ، فيذهب بها إبراهيم قبل مبايعته{[20581]} لهم فيقول : ( من يشتري ما يضره ولا ينفعه ؟ ( فلا يشتريها منه أحد . فإذا بارت عليه مضى بها إبراهيم إلى نهر ، فصوَّب{[20582]} ( فيه ){[20583]} رؤوسها وقال : ( اشربي ){[20584]} ، استهزاء بقومه ، حتى فشا{[20585]} عيبه إياها واستهزاؤه ( بها ){[20586]} في قومه من غير أن يبلغ{[20587]} ذلك نمرود{[20588]} .

وقد أنكر قوم من العلماء أن يكون إبراهيم عليه السلام عبد شيئا من ذلك حقيقة ، إنما فعل ذلك على وجه التعريض والإنكار لقومه وفعلهم ، ( لا أنه ){[20589]} ( جهل ){[20590]} معبوده حتى عبد الكوكب والقمر والشمس ، وكأنه أراهم أن الكوكب والقمر والشمس أضوأُ من الأصنام وأحسن ، وهي لا تعبد ، لأنها آفلة{[20591]} ، فَتَركُ عبادة الأصنام التي لا ضوء لها ولا حسن ولا بهجة{[20592]} آكد ، فكأنه عارض باطلا بباطل على طريق التبكيت{[20593]} لهم ، و( القطع ){[20594]} لحجتهم{[20595]} .

قال إبراهيم{[20596]} بن عرفة : كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام والحجارة ، وكانوا يجادلونه{[20597]} ، فأراهم من خلق الله /{[20598]} تعالى ما هو أعظم مما يعبدون ، فقال : ( هذا ربي ) ، لو كان ربا{[20599]} يعبد من دون الله ، لأن{[20600]} هذا أعظم وأعلى مما تعبدون{[20601]} . فلما أفل ، قال : لا أحب الآفلين ، فأراهم أن الكوكب يغيب إذا غلب{[20602]} عليه ضوء النهار ، والمعبود لا يكون مغلوبا .

وقيل : بل كان ذلك منه في حال طفولته ، وقبل{[20603]} قيام الحجة عليه ولزوم الفرض له ، وتلك حال لا يلزم فيها كفر ولا إيمان{[20604]} .

وقيل : معنى الكلام الاستفهام الذي في معنى الإنكار ، والمعنى : أهذا ربي ؟ {[20605]} ، قاله قطرب وغيره ، وهو قول ضعيف ، لأن الألف إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها{[20606]} نحو ( أم ) ونحوها{[20607]} .

وقال أبو{[20608]} إسحاق : لم يقل ذلك ( على اعتقاد ){[20609]} منه بدلالة قوله : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام }{[20610]} ، وبقوله{[20611]} : { إذ جاء ربه بقلب سليم }{[20612]} ، أي : سليم من الشرك{[20613]} . وأنما المعنى : هذا ربي على قولكم : ( لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ، ومثله قوله : { أين شركائي }{[20614]} المعنى : أين شركائي على قولكم ){[20615]} . ويجوز{[20616]} أن يكون المعنى . ( قال ){[20617]} : هذا ربي ){[20618]} أي : قال : تقولون : ( هذا ربي ) ، ثم حذف القول ، كما قال : { سلام عليكم بما صبرتم }{[20619]} أي : يقولون : سلام ( عليكم ){[20620]} .

ومعنى { بازغا }{[20621]} طالعا{[20622]} ، وهو نصب على الحال . وكذلك { بازغة }{[20623]} .

وذكر { الشمس } في قوله : { هذا ربي } على معنى : ( هذا البازغ ربي ) ، أو ( هذا الشيء ربي ) ، أو ( هذه النور ربي ) ، أو ( هذا الطالع ربي ){[20624]} .


[20547]:ساقطة من ب.
[20548]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها: أجنه، ب: جنة.
[20549]:مخرومة في أ.
[20550]:ساقطة من د: وانظر: تفسير الطبري 11/478، وبالألف أجود إذا ألقيت (على)، وهي أكثر: (معاني الفراء 1/341، وهو اختيار الزجاج – (جن عليه) و(أجنة) – في معانيه 2/266، وانظر: التفسير الكبير 13/46، 47.
[20551]:د: أبصره. وانظر: تفسير الطبري 11/480.
[20552]:هو قول قتادة في المحرر 6/92.
[20553]:انظر: المحرر 6/92.
[20554]:ب ج د: بالشمس.
[20555]:انظر: تفسير الطبري 11/480.
[20556]:(ابن سيده: نمرود: اسم ملك معروف. وكأن ثعلبا ذهب إلى اشتقاقه من التمرد، فهو على هذا ثلاثي) انظر: اللسان: نمرد. وهو (نمرود بن كنعان بن ابن كوش بن بسام بن نوح) في الدر 3/304 الذي قال بعده: (وكانت الملوك الذي ملكوا الأرض كلها أربعة: ابن كنعان، وسليمان بن داود، وذو القرنين، وبختنصر: مسلمين وكافرين).
[20557]:ج د: زمان.
[20558]:ساقطة من ب ج.
[20559]:ب: قيل.
[20560]:ب: بفارق.
[20561]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب ج د: أربابكم.
[20562]:مخرومة في أ.
[20563]:د: في ذلك الوقت غلاما.
[20564]:ب: تطانعه.
[20565]:ج د: تنظر.
[20566]:مطموسة في (أ). وفي تفسير الطبري 11/482: إبهامه.
[20567]:مطموسة في أ.
[20568]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ج: لابيه آزره د: لآزر.
[20569]:ب ج د: عشرة سنة. وفي تفسير الطبري 11/482: خمسة عشر شهرا.
[20570]:ب ج د: أخرجني.
[20571]:د: انتظر.
[20572]:ب ج د: أسقاني.
[20573]:ب: يرفى.
[20574]:الآية 77.
[20575]:ساقطة من د.
[20576]:ساقطة من ب.
[20577]:الآية 77.
[20578]:ج د: به أمه.
[20579]:ساقطة من ب ج د.
[20580]:ج د: فيبيعها.
[20581]:مطموسة في أ.
[20582]:د: فصرب.
[20583]:أ: فيها.
[20584]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما في ج د: وهي: انتصري.
[20585]:ب: بشا.
[20586]:ساقطة م ب ج د.
[20587]:ب: يبيع.
[20588]:انظر: تفسير الطبري 11/480 وما بعدها.
[20589]:ب: لانه.
[20590]:أ: جعل.
[20591]:مطموسة في أ. ب: آلفة. ج د: آفلت.
[20592]:ب: نهجة.
[20593]:ب: المكتبة.
[20594]:أ: الإقطاع.
[20595]:انظر: تفسير الطبري 11/483، 484، ومعاني الفراء 1/341، ومعاني الأخفش 496.
[20596]:ب: (إبراهيم وكان هذا آخر الشهر). ج د: (إبراهيم وكان آخر الشهر.
[20597]:د: يجالوقه.
[20598]:جلها مطموس مع بعض الخرم.
[20599]:مخرومة في أ. ب د: رب.
[20600]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها كما أثبت. ج د: لكان.
[20601]:ب: يعبدون.
[20602]:ب: عب.
[20603]:ب: قيل. ج د: قيل هي.
[20604]:انظر: تفسير الطبري 11/484.
[20605]:(وقالوا: قد تفعل العرب مثل ذلك، فتحذف (الألف) التي تدل على معنى الاستفهام): انظر: تفسير الطبري 11/484، وانظر: التفسير الكبير 13/49، 50، وأحكام القرطبي 7/26.
[20606]:ج د: عليه.
[20607]:هو رد ابن الأنباري في تفسير البحر 4/166.
[20608]:مطموسة في أ.
[20609]:ب ج د: اعتقادا.
[20610]:إبراهيم آية 37.
[20611]:ج: قوله.
[20612]:الصافات آية 84.
[20613]:انظر: معاني الزجاج 2/267، 268.
[20614]:النحل آية 27، والقصص آية 62، 74، وفصلت آية 46.
[20615]:ساقطة من أ. وانظر: معاني الزجاج 2/266.
[20616]:ج د: لا يجوز.
[20617]:ساقطة من أ. وانظر: معاني الزجاج 2/266.
[20618]:في الآية 78، 79.
[20619]:الرعد آية 25.
[20620]:ساقطة من د. وانظر: معاني الزجاج 2/267 وقد مثل بآية من (البقرة) بدلا من (الرعد).
[20621]:في الآية 78.
[20622]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/200، وتفسير الطبري 11/486.
[20623]:في الآية 79. وانظر: إعراب النحاس 1/559، وإعراب العكبري 512.
[20624]:انظر: معاني الأخفش 496، وتفسير الطبري 11/486، وإعراب النحاس 1/559، وإعراب العكبري 512.