تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة العاديات

أهداف سورة العاديات

( سورة العاديات مكية ، وآياتها 11 آية ، نزلت بعد سورة العصر )

تصف سورة العاديات الحرب بين كفار مكة والمسلمين ، وتبدأ بمشهد الخيل العادية الضابحة ، القادحة للشرر بحوافرها ، المغيرة مع الصباح ، المثيرة للنقع وهو الغبار ، الداخلة في وسط العدو فجأة تأخذه على غرة ، وتثير في صفوفه الذعر والفرار . يليه مشهد ما في النفس من الكنود والجحود والأثرة والشح الشديد ، ثم يعقبه مشهد لبعثرة القبور ، وتحصيل ما في الصدور ، وفي الختام ينتهي النقع المثار ، وينتهي الكنود والشح ، وتنتهي البعثرة والجمع إلى نهايتها جميعا . . إلى الله ، فتستقر هناك : إن ربهم بهم يومئذ لخبير . ( العاديات : 11 ) .

مع آيات السورة

1-5- والعاديات ضبحا* فالموريات قدحا* فالمغيرات صبحا* فأثرن به نقعا* فوسطن به جمعا .

يقسم الله سبحانه بخيل المعركة ، ويصف حركاتها واحدة واحدة ، منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري ، قارعة للصخر بحوافرها ، حتى تورى الشرر منها ، مغيرة في الصباح الباكر لمفاجأة العدو ، مثيرة للنقع والغبار ، وهي تتوسط صفوف الأعداء على غرة ، فتوقع بينهم الفوضى والاضطراب .

6-8- إن الإنسان لربه لكنود* وإنه على ذلك لشهيد* وإنه لحبّ الخير لشديد .

يقسم سبحانه على أن الإنسان كنود جحود ، كفور بنعمة الله ، يعد المصائب وينسى النعم .

( وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الكنود الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده ) . كأنه لا يعطي مما أنعم الله به عليه ، ولا يرأف بعباد الله رأف به ، فهو كافر بنعمة ربه . غير أن الآية عامة ، والمراد منها ذكر حالة من حالات الإنسان التي تلازمه في أغلب أفراده )i ، إلا من عصمهم الله ، وهم الذين روّضوا أنفسهم على فعل الفضائل وترك الرذائل .

وسر هذه الجملة أن الإنسان يحصر همه فيما حضره ، وينسى ماضيه وما عسى أن يستقبله ، فإذا أنعم الله عليهم بنعمة غرّته فضلّته ، ومنعه البخل والحرص من عمل الخير .

وإنه على ذلك لشهيد . وإن أعماله كلها لتشهد بذلك ، وإنه ليعترف بذلك بينه وبين نفسه ، أو إن الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد .

وإنه لحبّ الخير لشديد . وإن الإنسان بسبب حبه للمال وتعلقه بجمعه وادخاره لبخيل شديد في بخله ، ممسك مبالغ في إمساكه ، متشدد فيه .

ومن ثم تجيء اللفتة الأخيرة في السورة لعلاج الكنود والشح والأثرة ، مع عرض مشهد من مشاهد الآخرة .

9-11- أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور* وحصّل ما في الصدور* إن ربهم بهم يومئذ لخبير .

وهو مشهد عنيف مثير : بعثرة لما في القبور ، بعثرة بهذا اللفظ العنيف المثير ، وتحصيل لأسرار الصدور التي ضنت بها وخبأتها بعيدا عن العيون ، تحصيل بهذا اللفظ القاسي ، ومفعول الفعل : يعلم . محذوف لتذهب النفس في تخيله كل مذهب .

أي : أفلا يعلم الكنود الحريص ما يكون حاله في الآخرة يوم تكشف السرائر ؟ أفلا يعلم ظهور ما كان يخفى من قسوة وتحيل ؟ أفلا يعلم أنه سيحاسب عليه ؟ أفلا يعلم أنه سيوفى جزاء ما كفر بنعمة ربه ؟

وتختم السورة بعدل الجزاء ، وشهادة الخبير ، فتقول : إن ربهم بهم يومئذ لخبير .

فالمرجع إلى ربهم ، وإنه لخبير بهم يومئذ . وبأحوالهم وبأسرارهم ، والله خبير بهم في كل وقت وفي كل حال ، وإنما خص هذا اليوم بذلك لأن هذه الخبرة يعقبها الحساب والجزاء .

كما قال تعالى : سنكتب ما قالوا . . . ( آل عمران : 181 ) . مع أن كتابة أقوالهم حاصلة فعلا ، والمراد سنجازيهم بما قالوا جزاء يستحقونه .

إن السورة قطعة رائعة لعرض سلوك الإنسان ، والوصول به إلى مرحلة الجزاء ، في أسلوب قوي آسر معنى ولفظا ، على طريقة القرآن المبين .

المعنى الإجمالي للسورة

1- القسم بخيل الغزاة والمجاهدين .

2- بيان حال الإنسان إذا خلا قلبه من الإيمان .

3- ذم الشح والبخل وجحود النعمة .

4- عرض صورة من مشاهد البعث والحساب والجزاء .

القسم بالخيل على جحود الإنسان

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والعاديات ضبحا 1 فالموريات قدحا 2 فالمغيرات صبحا 3 فأثرن به نقعا 4 فوسطن به جمعا 5 إن الإنسان لربه لكنود 6 وإنه على ذلك لشهيد 7 وإنه لحبّ الخير لشديد 8 أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور 9 وحصّل ما في الصدور 10 إن ربهم يومئذ لخبير 11 }

المفردات :

العاديات : الخيل التي تعدو مسرعة .

الضبح : صوت أنفاس الخيل حين الجري .

التفسير :

1- والعاديات ضبحا .

أقسم الله تعالى بالخيل التي تخرج للجهاد في سبيل الله ، ولها صوت وحمحمة ، وهو الضبح .

قال ابن عباس : الخيل إذا عدت قالت : أح أح ، فذلك ضبحها .

وقال أبو السعود : أقسم سبحانه بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدوّ ، وتضبح ضبحا ، وهو الصوت أنفاسها عند عدوها .