السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، قال الرازي بإجماع : وهي مائة وإحدى أو ثنتا عشرة آية وألف ومائة وستون كلمة وأربعة آلاف وثمان وتسعون حرفاً .

{ بسم الله } الحكم العدل الذي تمت قدرته وعمّ أمره { الرحمن } الذي ساوى بين خلقه في رحمة إيجاده { الرحيم } الذي نجى من شاء من عباده في معاده قال أبو جعفر بن الزبير في برهانه لما تقدم قوله تعالى : { ولا تمدن عينيك } [ الحجر ، 88 ] إلى قوله : { فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى } [ طه ، 135 ] .

قال تعالى : { اقترب } أي : قرب { للناس حسابهم } أي : في يوم القيامة أي : فلا تمدن عينيك إلى ذلك فإني جعلته فتنة ، وأشار بصيغة الافتعال إلى مزيد القرب ؛ لأنه لا أمة بعد هذه ينتظر أمرها ، وأخر الفاعل تهويلاً لتذهب النفس في تعيينه كل مذهب فإن قيل : كيف وصف ذلك اليوم بالاقتراب وقد عدت دون هذا القول أكثر من تسعمائة عام أجيب بأنه مقترب عند الله ، والدليل عليه قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج ، 47 ] ولأن كل آت ، وإن طالت أوقات استقباله وترقبه قريب وإنما البعيد هو الذي وجد وانقرض قال الشاعر :

فلا زال ما تهواه أقرب من غد *** ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس

ولأنّ ما بقي من الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها بدليل انبعاث خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه الموعود ببعثه في آخر الزمان ، وقال : «بعثت أنا والساعة كهاتين » ، وأشار بإصبعيه وقال صلى الله عليه وسلم : «ختمت النبوة بي » كل ذلك لأجل أن الباقي من مدة التكليف أقل من الماضي ، وعن ابن عباس أن المراد بالناس المشركون وهو من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم ، وهو ما يتلوه من صفات المشركين ، وهو قوله تعالى : { وهم } أي : والحال أنهم { في غفلة } أي : عن الحساب { معرضون } عن التأهب لهذا اليوم لا يتفكرون في عاقبتهم ، ولا يتفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء المحسن والمسيء ، وأيضاً إن هذه الآية نزلت في كفار مكة .