السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱرۡجِعۡ إِلَيۡهِمۡ فَلَنَأۡتِيَنَّهُم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخۡرِجَنَّهُم مِّنۡهَآ أَذِلَّةٗ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ} (37)

ثم قال للمنذر بن عمرو أمير الوفد { ارجع } أي : بهديتهم وجمع في قوله { إليهم } إكراماً لنفسه وصيانة لاسمها عن التصريح بضميرها وتعظيماً لكل من يهتم بأمرها ويطيعها { فلنأتينهم بجنود لا قبل } أي : لا طاقة { لهم بها } أي : بمقابلتها { ولنخرجنهم منها } أي : من أرضهم وبلادهم وهي سبأ { أذلة وهم صاغرون } أي : ذليلون لا يملكون شيئاً من المنعة .

فإن قيل : فلنأتينهم ولنخرجنهم قسم فلا بدّ أن يقع ؟ أجيب : بأنه معلق على شرط محذوف لفهم المعنى ، أي : إن لم يأتوني مسلمين ، قال وهب وغيره من أهل الكتب ، لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان قالت لهم قد عرفت والله ما هذا بملك وما لنا به من طاقة فبعثت إلى سليمان أني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ، ثم أمرت بعرشها فجعلته داخل سبعة أبواب داخل قصرها وقصرها داخل سبعة قصور وأغلقت الأبواب وجعلت عليها حرّاساً يحفظونه ، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما وكلتك وبسرير ملكي لا يخلص إليه أحد حتى آتيك ، ثم أمرت منادياً ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل وتجهزت للمسير فارتحلت في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت يد كل قيل ألوف كثيرة .

قال ابن عباس : كان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه ، فخرج يوماً فجلس على سرير ملكه فرأى رهجاً قريباً منه ، فقال ما هذا ؟ قالوا بلقيس وقد نزلت منا على مسيرة فرسخ .