السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ} (42)

ثم أشار إلى سرعة مجيئها إشارة إلى خضوعها بالتعبير بالفاء في قوله : { فلما جاءت } وكانت قد وضعت عرشها في بيت خلف سبعة أبواب ووكلت به حراساً أشدّاء { قيل } لها وقد رأت عرشها بعد تنكيره { أهكذا عرشك } أي : مثل هذا عرشك { قالت كأنه هو } قال مقاتل : عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، وقال عكرمة : كانت حكيمة لم تقل نعم خوفاً من أن تكذب ولم تقل لا خوفاً من التكذيب فقالت كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقر ولم تنكر ، وقيل : اشتبه عليها أمر العرش لأنها خلفته في بيت خلف سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها فقيل لها فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب .

وقوله تعالى : { وأوتينا العلم من قبلها } فيه وجهان : أحدهما : أنه من كلام بلقيس فالضمير في قبلها راجع للمعجزة والحالة الدال عليها السياق ، والمعنى : وأوتينا العلم بنبوّة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة ، وذلك لما رأت قبل ذلك من أمر الهدهد ورد الهدية والرسل من قبلها من قبل الآية في العرش { وكنا مسلمين } أي : منقادين طائعين لأمر سليمان ، والثاني : أنه من كلام سليمان وأتباعه فالضمير في قبلها عائد على بلقيس فكان سليمان وقومه قالوا : إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة وقد رزقت الإسلام ، ثم عطفوا على ذلك قولهم { وأوتينا العلم } يعني بالله تعالى وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة في مثل علمها وغرضهم من ذلك شكر الله تعالى في أن خصهم بمزيد التقديم في الإسلام قاله مجاهد ، وقيل : معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين طائعين لله تعالى .