السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (134)

ثم وصف الله تعالى المتقين بصفات فقال :

{ الذين ينفقون } أي : في طاعة الله { في السرّاء والضرّاء } أي : في العسر واليسر أو الأحوال كلها ؛ لأنّ الإنسان لا يخلو عن مسرة أو مضرة أي : لا يخلون عن حال مّا بإنفاق ما قدروا عليه من قليل أو كثير كما يحكى عن بعض السلف أنه ربما تصدّق ببصلة ، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها تصدّقت بحبة عنب . فأول ما ذكر من أوصافهم الموجبة للجنة ذكر السخاء . وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( السخيّ قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد عن النار والبخيل بعيد من الله قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله من العالم البخيل ) { والكاظمين الغيظ } أي : الممسكين عليه الكافين عن إمضائه مع القدرة .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء ) .

وروي : ( من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً )

وروي : ( ليس الشديد بالصرعة لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب ) ، { والعافين عن الناس } أي : التاركين عقوبة من استحقوا مؤاخذته .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا ) وعن ابن عيينة أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ هؤلاء في أمّتي قليل إلا من عصم الله ) ، وقد كانوا كثيراً في الأمم التي مضت وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون منقطعاً وهو ظاهر وأن يكون متصلاً لما في القلة من معنى العدم كأنه قيل : إن هؤلاء في أمّتي لا يوجدون إلا من عصم الله فإنه يوجد في أمّتي ، وقوله تعالى : { والله يحب المحسنين } ، يجوز أن تكون اللام فيه للجنس ، فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون ، وأن تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء .