السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (135)

وقوله تعالى :

{ والذين إذا فعلوا فاحشة } أي : ذنباً قبيحاً كالزنا { أو ظلموا أنفسهم } أي : بما دون الزنا كالقبلة وقيل : الفاحشة ما يتعدّى وظلم النفس ما ليس كذلك { ذكروا الله } أي : ذكروا وعيده أو حكمه أو حقه العظيم { فاستغفروا لذنوبهم } بالندم والتوبة عطف على المتقين أو على الذين ينفقون . واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال عطاء : نزلت في أبي سعيد التمار ؛ أتته امرأة حسنة تبتاع منه تمراً فقال لها : إنّ هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فذهب بها إلى بيته وضمها إلى نفسه وقبلها فقالت له : اتق الله فتركها وندم على ذلك ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية .

وقال مقاتل والكلبي : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين أحدهما من الأنصار والآخر من ثقيف ، فخرج الثقفي في غزاة واستخلف الأنصاري على أهله فاشترى لهم اللحم ذات يوم ، فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه دخل على أثرها وقبل يدها ثم ندم وانصرف ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه ، فلما رجع الثقفيّ لم يستقبله الأنصاري ، فسأل امرأته عن حاله فقالت : لا أكثر الله في الإخوان مثله ووصفت له الحال والأنصاري يسيح في الجبال تائباً مستغفراً ، فطلبه الثقفي حتى وجده فأتى به أبا بكر رجاء أن يجد عنده راحة وفرجاً ، وقال الأنصاري : هلكت وذكر القصة ، فقال أبو بكر : ويحك أما علمت أنّ الله تعالى يغار للغازي ما لا يغار للمقيم ثم أتيا عمر ، فقال عمر : مثل ذلك ثم أتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : مثل مقالهما فنزلت هذه الآية وقوله تعالى : { ومن } أي : أحد { يغفر الذنوب إلا الله } استفهام بمعنى النفي معترض بين المعطوفين والمراد به وصفه سبحانه وتعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة والحث على الاستغفار والوعد بقبول التوبة { ولم يصروا على ما فعلوا } أي : ولم يقيموا على قبيح فعلهم بل أقلعوا عنه مستغفرين .

روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة ) .

وروي : ( لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار ) وقوله تعالى : { وهم يعلمون } حال من يصروا أي : ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به .