السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ} (133)

{ وسارعوا } أي : بادروا وأقبلوا { إلى مغفرة من ربكم } أي : إلى ما تستحق به المغفرة كالإسلام والتوبة وأداء الفرائض والهجرة والجهاد والتكبيرة الأولى والأعمال الصالحات . وقرأ نافع وابن عامر بغير واو قبل السين والباقون بواو قبلها { و } إلى { جنة عرضها السماوات والأرض } أي : عرضها كعرضهما كقوله تعالى : { عرضها كعرض السماء والأرض } ( الحديد ، 21 ) وإنما جمعت السماء وأفردت الأرض لأنها أنواع قيل : بعض فضة وبعض غير ذلك ، والأرض نوع واحد وذكر العرض للمبالغة في وصف الجنة بالسعة ؛ لأنّ العرض دون الطول كما دلّ عليه قوله تعالى : { بطائنها من إستبرق } ( الرحمن ، 54 ) على أن الظهارة أعظم يقول : هذه صفة عرضها فكيف طولها ؟ قال الزهري : إنما وصف عرضها فأما طولها فلا يعلمه إلا الله تعالى وهذا على سبيل التمثيل لا أنها كالسماوات والأرض لا غير بل معناه كعرض السماوات السبع والأرضين السبع عند ظنكم كقوله تعالى : { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } ( هود ، 107 ) أي : عند ظنكم وإلا فهما زائلتان .

وعن ابن عباس : الجنة كسبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض . وعنه أيضاً إنّ لكل واحد من المطيعين جنة بهذه السعة .

وروي أنّ ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : إذا كانت الجنة عرضها ذلك فأين تكون النار ؟ فقال لهم : أرأيتم إذا جاء الليل فأين يكون النهار ؟ وإذا جاء النهار فأين يكون الليل ؟ فقالوا : إنه لمثلها في التوراة ، ومعناه أنه حيث شاء الله . وسئل أنس بن مالك عن الجنة : أفي السماء أم في الأرض وأيّ أرض وسماء تسع الجنة ؟ قيل : فأين هي ؟ قال : فوق السماوات السبع تحت العرش ، وقال قتادة : كانوا يرون أنّ الجنة فوق السماوات السبع وأنّ جهنم تحت الأرضين السبع .

فإن قيل : قال تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون } وأراد بالذي وعدنا الجنة فإذا كانت الجنة في السماء فكيف يكون عرضها ما ذكر ؟ أجيب : بأنّ باب الجنة في السماء وعرضها كما أخبر تعالى : { أعدّت } هيئت { للمتقين } الله بعمل الطاعات وترك المعاصي وفي ذلك دليل على أنّ الجنة مخلوقة الآن وقيل : إنّ الجنة والنار يخلقان بعد قيام الساعة .