السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

ولما قال لهم مؤمن آل فرعون : { ومن يضلل الله فما له من هاد } ذكر لهم مثالاً بقوله تعالى : { ولقد جاءكم } أي : جاء آباءكم يا معشر القبط ، ولكنه عبر بذلك دلالة على أنهم على مذهب الآباء كما جرت به العادة من التقليد ومن أنهم على طبعهم لاسيما أن كانوا لم يفارقوا مساكنهم { يوسف } أي : نبي الله ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن خليل الله إبراهيم عليهم وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام { من قبل } أي : قبل زمن موسى عليه السلام { بالبينات } أي : الآيات الظاهرات لاسيما في أمر يوم التناد { فما زلتم } أي : ما برحتم أنتم تبعاً لآبائكم { في شك } أي : محيط بكم لم تصلوا إلى رتبة الظن { مما جاءكم به } من التوحيد ، وقال ابن عباس : من عبادة الله وحده لا شريك له فلم تنتفعوا البتة بتلك البينات ودل على تمادي شكهم بقوله تعالى : { حتى إذا هلك } فهو غاية أي : فما زلتم في شك حتى هلك { قلتم لن يبعث الله } أي : الذي له صفات الكمال { من بعده } أي : يوسف عليه السلام { رسولاً } أي : أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة ، وهذا ليس إقراراً منهم برسالته بل هو ضم منهم إلى الشك في رسالته والتكذيب برسالة من بعده وقوله تعالى : { كذلك } خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر كذلك أو مثل هذا الضلال { يضل الله } أي : بما له من صفات القهر { من هو مسرف } أي : مشرك متغال في الأمور خارج عن الحدود { مرتاب } أي : شاك فيما تشهد به البينات بغلبة الوهم والانهماك في التقليد .