السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (50)

الثالث : لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوة لقوله تعالى : { فاجتباه } أي : اختاره لرسالته { ربه } والفاء للتعقيب ، قيل : إن هذه الآية نزلت بأحد حين حلّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ما حل ، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا ، وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف .

ثم سبب عن اجتبائه قوله تعالى : { فجعله من الصالحين } أي : الذين رسخوا في رتبة الصلاح فصلحوا في أنفسهم للنبوة والرسالة ، وصلح بهم غيرهم فنبذ حينئذ بالعراء وهو محمود . قال ابن عباس : ردّ الله تعالى إليه الوحي وشفعه في نفسه وفي قومه وقبل توبته وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون بسبب صبره ، فمن صبر أعظم من صبره كان أعظم أجراً من أجره وأنت كذلك فأنت أشرف العالمين .

تنبيه : استدل أهل السنة على أن فعل العبد خلق لله تعالى بقوله سبحانه : { فجعله من الصالحين } لأن الصلاح إنما حصل بجعل الله تعالى وخلقه ، وقال الجبائي : يحتمل أن يكون معنى جعل أنه أخبر بذلك ، ويحتمل أن يكون لطف به حتى صلح إذ الجعل يستعمل في اللغة في هذه المعاني ، والجواب : أن ذلك مجاز والأصل في الكلام الحقيقة .