اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (50)

قوله : { فاجتباه رَبُّهُ } ، أي : فاصطفاه واختاره . { فَجَعَلَهُ مِنَ الصالحين } .

قال ابن عباس : رد الله إليه الوحي ، وشفعه في نفسه ، وفي قومه{[57699]} ، وقبل توبته وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مائة ألفٍ ، أو يزيدون .

فصل فيمن قال : إن يونس لم يكن نبياً قبل واقعة الحوت

قال ابن الخطيب{[57700]} : قال قوم : لعل صاحب الحوتِ ما كان رسولاً قبل هذه الواقعة ، ثم بعد هذه الواقعة جعله الله رسولاً ، وهو المرادُ من قوله { فاجتباه رَبُّهُ } والذين أنكروا الكرامات والإرهاص لا بد وأن يختاروا هذا القول ، لأن الاحتباس في بطن الحوت ، وعدم موته هناك لما لم يكن هناك إرهاص ، ولا كرامة ، فلا بد وأن تكون معجزة ، وذلك يقتضي أنه كان رسولاً في تلك الحال .

فصل في خلق أفعال العباد

قال ابن{[57701]} الخطيب : احتج الأصحاب على أن فعل العبد خلق الله تعالى بقوله : { فَجَعَلَهُ مِنَ الصالحين } وهذا يدل على أن الصلاح إنما حصل بجعل الله وخلقه .

قال الجبائيُّ : يحتمل أن يكون معنى «جعلهُ » أنه أخبر بذلك ، ويحتمل أن يكون لطف به حتى صلح ، إذ الجعل يستعمل في اللغة في هذه المعاني .

والجواب : أن ذلك مجاز ، والأصل في الكلامِ الحقيقة .


[57699]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/165).
[57700]:ينظر الفخر الرازي 30/87.
[57701]:ينظر الفخر الرازي 30/88.