السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

{ فاصبر } أي : أوقع الصبر وأوجده على كل ما يقولونه فيك وعلى غير ذلك من كل ما يقع منهم ومن غيرهم من ممر القضاء { لحكم ربك } أي : القضاء الذي قضاه وقدره المحسن إليك الذي أكرمك بما أكرمك به من الرسالة وألزمك بما ألزمك من البلاغ وخذلهم بالتكذيب ومدّ لهم على ذلك في الأجل ، وأسبغ عليهم النعم وأخر ما وعدك به من النصر . وقال ابن بحر : فاصبر لنصر ربك ، وقيل : إن ذلك منسوخ بآية السيف . وقال قتادة : إن الله تعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ويأمره بالصبر ولا يعجل . { ولا تكن } أي : ولا يكن حالك يا أشرف الخلق في الضجر والعجلة { كصاحب } أي : كحال صاحب { الحوت } وهو يونس عليه السلام .

وقوله تعالى : { إذ } منصوب بمضاف محذوف ، أي : ولا يكن حالك كحاله أو قصتك حين { نادى } أي : ربه في الظلمات من بطن الحوت وظلمة ما يحيط به من الجثة وظلمة اللجج { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } ، ويدل على المحذوف أن الذوات لا ينصبّ عليها النهي إنما ينصب على أحوالها وصفاتها ، وقوله تعالى : { وهو مكظوم } جملة حالية من الضمير من نادى والمكظوم الممتلئ حزناً أو غيظاً ، ومنه كظم السقاء إذا ملأه ، قال ذو الرمة :

وأنت من حب ميّ مضمر حزناً *** غالي الفؤاد قريح القلب مكظوم

وقال القرطبي : ومعنى وهو مكظوم ، أي : مملوء غماً . وقيل : كرباً فالأول قول ابن عباس ومجاهد ، والثاني : قول عطاء وأبي مالك . قال الماوردي : والفرق بينهما أن الغم في القلب والكرب في الأنفاس . وقيل : مكظوم : محبوس ، والكظم : الحبس . ومنه قولهم : كظم غيظه ، أي : حبس غضبه . والمعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة فتبلى ببلائه .