إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

{ للَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أي أعمالَهم أي عمِلوها على الوجه اللائقِ وهو حسنُها الوصفيُّ المستلزمُ لحسنها الذاتي ، وقد فسره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله : «أن تعبدَ الله كأنك تراه فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك » { الحسنى } أي المثوبةُ الحسنى { وَزِيَادَةٌ } أي ما يزيد على تلك المثوبة تفضلاً لقوله عز اسمه : { وَيَزِيدَهُم من فَضْلِهِ } [ النور : 38 ] وقيل : الحسنى مثلُ حسناتِهم والزيادةُ عشرُ أمثالهِا إلى سبعمائة ضعفٍ وأكثر ، وقيل : الزيادةُ مغفرةٌ من الله ورِضوانٌ ، وقيل : الحُسنى الجنةُ والزيادة اللقاء { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ } أي لا يغشاها { قَتَرٌ } غبرةٌ فيها سوادٌ { وَلاَ ذِلَّةٌ } أي أثرُ هوانٍ وكسوفُ بالٍ ، والمعنى لا يرهقهم ما يرهَق أهلَ النار أو لا يرهَقُهم ما يوجب ذلك من الحزن وسوءِ الحالِ ، والتنكيرُ للتحقير أيْ شيءٌ منهما والجملةُ مستأنفةٌ لبيان أمنِهم من المكاره إثرَ بيان فوزِهم بالمطالب والثاني وإن اقتضى الأولَ إلا أنه ذُكر إذكاراً بما ينقذهم الله تعالى منه برحمته ، وتقديمُ المفعولِ على الفاعل للاهتمام بيان أن المصونَ من الرهَق أشرفُ أعضائِهم وللتشويق إلى المؤخر فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخّر تبقى النفسُ مترقبةً لوروده فعند ورودِه عليها يتمكن عندها فضلُ تمكن ولأن في الفاعل ضربَ تفصيلٍ كما في قوله تعالى : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن 22 ] وقوله عز وجل : { وَجَاءكَ في هذه الحق وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ } [ هود : 120 ] { أولئك } إشارةٌ إلى المذكروين باعتبار اتصافِهم بالصفات المذكورةِ ، وما في اسم الإشارةِ من معنى البُعدِ للإيذان بعلو درجتِهم وسموّ طبقتِهم أي أولئك الموصوفون بما ذكر من النعوت الجميلةِ الفائزون بالمثوبات الناجون عن المكاره { أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون } بلا زوالٍ دائمون بلا انتقال .