إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (11)

{ وَمَا يَأْتِيهِم مّن رَّسُولٍ } المرادُ نفيُ إتيانِ كل رسولٍ لشيعته الخاصة به لا نفيُ إتيان كل رسول لكل واحدة من تلك الشيعِ جميعاً ، أو على سبيل البدلِ ، وصيغةُ الاستقبال لاستحضار الصورةِ على طريقة حكايةِ الحالِ الماضية ، فإن ( ما ) لا تدخل في الأغلب على مضارع إلا وهو في معنى الحال ، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال ، أي ما أتى شيعةً من تلك الشيعِ رسولٌ خاصٌّ بها { إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤون } كما يفعله هؤلاء الكفرةُ ، والجملة في محل النصب على أنها حال مقدّرة من ضمير المفعول في يأتيهم إذا كان المرادُ بالإتيان حدوثَه ، أو في محل الرفع على أنها صفةُ رسول فإنه محلَّه الرفعُ على الفاعلية ، أي إلا رسولٌ كانوا به يستهزؤون ، وأما الجرُّ على أنها صفةٌ باعتبار لفظِه فيُفضي إلى زيادة ( من ) الاستغراقيةِ في الإثبات ويجوز أن يكون منصوباً على الوصفية بأن يقدَّر الموصوفُ منصوباً على الاستثناء وإن كان المختارُ الرفعَ على البدلية .

وهذا كما ترى تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه عادةُ الجهال مع الأنبياء عليهم السلام ، وحيث كان الرسولُ مصحوباً بكتاب من عند الله تعالى تضمّن ذكرُ استهزائِهم بالرسول استهزاءَهم بالكتاب ولذلك قيل : { كذلك نسلكه في قلوب المجرمين } .