تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (11)

الآية 11 : ( وقوله تعالى ){[9782]} : { وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون } يصبر رسوله على استهزاء قومه إياه وأذاهم ؛ يقول ، والله أعلم : لست أنت المخصوص بهذا ، ولكن لك شركاء وأصحاب في ذلك ، وليَخِفَّ ذلك عليه ، ويهون ، لأن العرف في الخلق أن من كان له شركاء وأصحاب في شدة / 275 – أ / أصابته أو بلاء ، يصيبه ، كان ذلك أيسر عليه وأهون من أن يكون مخصوصا به من بين سائر الخلائق ، والله أعلم .

وكأن{[9783]} هذه الآية صلة قوله : { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } ( الحجر : 6 ) . فكأنه لما سمع هذا اشتد عليه ، وضاق صدره بذلك . فعند ذلك قال : { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } ( الحجر : 10 ) إلى آخره يصبره على أذاهم وهزئهم به . فإنما يشتد عليه ذلك على قدر شفقته ونصيحته لهم ، وكان بلغ نصيحته وشفقته لهم ما ذكر : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } ( الشعراء : 3 ) وقال{[9784]} : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } ( فاطر : 8 ) كادت نفسه تهلك .

أو ذكر هذا له لما أن هؤلاء أعني قومه إنما استهزؤوا به تقليدا لآبائهم واقتداء بهم وتلقنا منهم ، لا أنهم أنشؤوا ذلك من أنفسهم ، وأولئك أعني الأوائل إنما استهزؤوا برسلهم لا تقليدا لأحد ، ولكن إنشاء من ذات أنفسهم . فمن استهزأ بآخر ، فشتمه ، تقليدا واقتداء وتلقنا كان ذلك أيسر عليه وأخف من فعل ( من فعله ){[9785]} من ذاته ، لأنه إنما يلقن المجانين والصبيان ومن به آفة بمثل ذلك .

فهم الذين يعملون بالتلقين ، وأما العقلاء والسالمون من الآفات فلا . فذلك أهون عليه من استهزاء أولئك برسلهم ، والله أعلم .


[9782]:ساقطة من الأصل وم.
[9783]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[9784]:في الأصل وم: قوله.
[9785]:في الأصل وم: به.