إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

{ مُهْطِعِينَ } مسرعين إلى الداعي مُقبلين عليه بالخوف والذل والخشوعِ أو مقبلين بأبصارهم عليه لا يُقلعون عنه ولا يطرِفون هيبة وخوفاً ، وحيث كان إدامةُ النظر هاهنا بالنظر إلى الداعي قيل : { مقنعي رُؤُوسَهُمْ } أي رافعيها مع إدامة النظر من غير التفاتٍ إلى شيء كذا قاله العتبي وابن عرفة ، أو ناكسيها ويقال : أقنع رأسَه أي طأطأها ونكَسها فهو من الأضداد وهما حالان مما دل عليه الأبصارُ من أصحابها ، أو الثاني حالٌ متداخلةٌ من الضمير في الأول ، وإضافتُه غير حقيقية فلا ينافي الحالية { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أي لا يرجِع إليهم تحريكُ أجفانِهم حسبما كان يرجِع إليهم كلّ لحظة بل تبقى أعينُهم مفتوحةً لا تطرِف أو لا ترجع إليهم أجفانُهم التي هي آلةُ الطرْفِ ، فيكون إسنادُ الرجوعِ إلى الطرف مجازياً أو هو نفسُ الجفن . قال الفيروز آبادي : الطرفُ العينُ لا يجمع لأنه مصدر في الأصل أو اسمٌ جامع للعين . أو لا يرجع نظرُهم إلى أنفسهم فضلاً عن أن يرجِع إلى شيء آخر فيبقَون مبهوتين ، وهو أيضاً حالٌ أو بدلٌ من مقنعي الخ ، أو استئناف والمعنى لا يزول ما اعتراهم من شخوص الأبصار ، وتأخيرُه عما هو تتمته من الإهطاع والإقناع مع ما بينه وبين الشخوص المذكورِ من المناسبة لتربية هذا المعنى { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } خاليةٌ من العقل والفهم لفرْط الحَيرة والدهَش ، كأنها نفسُ الهواءِ الخالي من كل شاغلٍ ، ومنه قيل للجبان والأحمق : قلبُه هواءٌ أي لا قوة ولا رأيَ فيه ، واعتبارُ خلوِّها عن كل خير لا يناسب المقام وهو إما حالٌ عاملُها لا يرتد مفيدةٌ لكون شخوص أبصارِهم وعدم ارتدادِ طرفِهم بلا فهمٍ ولا اختيار أو جملةٌ مستقلةٌ .