اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (11)

قوله : { وَمَا يَأْتِيهِم } قال الزمخشري{[19459]} : " حكاية حال ماضية ؛ لأنَّ " مَا " لا تدخل على المضارع إلاَّ وهو في موضعِ الحالِ ، ولا على ماضٍ إلا وهو قريبٌ من الحال " .

وهذا الذي ذكره هو الأكثر في لسانهم ؛ لكنَّه قد جاءت ما مقارنة للمضارع المراد به الاستقبال ؛ كقوله تعالى : { مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسي } [ يونس : 15 ] ، وأنشدوا للأعشى يمدحُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم : [ الطويل ]

لَهُ نَافِلاتٌ ما يَغِبُّ نَوالُهَا *** ولَيْسَ عطَاءُ اليَوْمِ مَانِعَهُ غَدا{[19460]}

وقال أبُو ذؤيب : [ الكامل ]

أوْدَى بَنِيَّ وأوْدَعُونِي حَسْرَةً *** عِنْدَ الرُّقَادِ وعَبْرَةً مَا تٌقلِعُ{[19461]}

قوله : " إلا كانوا " هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من مفعول " تَأتيهم " ، ويجوز أن تكمون صفة ل " رسُولٍ " فيكون في محلِّها وجهان : الجرُّ باعتبار اللفظ ، والرفع باعتبار الموضع ، وإذا كانت حالاً فهي حالٌ مُقدَّرةٌ .

فصل في معنى الآية

المعنى : أنَّ عادة هؤلاء الجهَّال مع جميع الأنبياء والرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- الاستهزاءُ بهم ؛ كما فعلًُوا بك ؛ ذكره تسليةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- .

واعلم أنَّ السَّبَبَ الذي يحمِلُ هؤلاء الجهال على هذه العادة الخبيثة : إما لأنَّ الانتقال من المذاهب يشقُّ على الطِّباع .

وإمَّا لكونِ الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- يكون فقِيراً ، وليس له أعوان ، ولا أنصارٌ ؛ فالرؤساءُ يَثقُل عليهم خدمة من يكون بهذه الصِّفة .

وإمّا خذلانُ الله تعالى لهم ، فبإلقاء دواعي الكفرِ والجهلِ في قلوبهم ، وهذا هو السبب الأصليّ .


[19459]:ينظر: الكشاف 2/572.
[19460]:ينظر: الديوان 103، المغني 1/293، شواهد المغني (240)، والمقاصد النحوية 3/60، البحر المحيط 5/435 وروح المعاني 14/17 والدر المصون 4/290 وله أو للنابغة الجعدي في تخليص الشواهد ص 227.
[19461]:ينظر: ديوان الهذليين 1/2، المفضليات 2/221، الأشموني 2/281، التصريح 2/61، العيني 3/498، الجمهرة 241، خزانة الأدب 1/420، وشرح شواهد المغني 1/262، لسان العرب "عقب" والمقاصد النحوية 3/498، أوضح المسالك 3/197، والبحر المحيط 5/435، والألوسي (14/17)، والدر المصون 4/290.