إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

{ مَّنْ عَمِلَ صالحا } ، أي : عملاً صالحاً أيَّ عملٍ كان ، وهذا شروعٌ في تحريض كافةِ المؤمنين على كل عملٍ صالح غِبَّ ترغيبِ طائفةٍ منهم في الثبات على ما هم عليه من عمل صالحٍ مخصوصٍ ، دفعاً لتوهم اختصاصِ الأجر الموفورِ بهم وبعملهم المذكور ، وقوله تعالى : { مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى } ، مبالغةٌ في بيان شمولِه للكل . { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، قيّده به إذ لا اعتدادَ بأعمال الكفرة في استحقاق الثواب أو تخفيفِ العذاب ؛ لقوله تعالى : { وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } ، وإيثارُ إيرادِه بالجملة الاسميةِ الحالية على نظمه في سلك الصلةِ ؛ لإفادة وجوبِ دوامه ومقارنتِه للعمل الصالح . { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً } ، أما إن كان موسراً فظاهرٌ ، وأما إن كان معسِراً فيطيب عيشُه بالقناعة والرضى بالقسمة ، وتوقعِ الأجرِ العظيم كالصائم يطيب نهارُه بملاحظة نعيمِ ليلِه . بخلاف الفاجر ، فإنه إن كان معسراً فظاهرٌ ، وإن كان موسراً فلا يدعه الحِرصُ وخوفُ الفوات أن يتهنأ بعيشه . { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ } ، في الآخرة { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، حسبما نفعل بالصابرين فليس فيه شائبةُ تكرار ، والجمعُ في الضمائر العائدةِ إلى الموصول لمراعاة جانبِ المعنى ، كما أن الإفراد فيما سلف لرعاية جانب اللفظ ، وإيثار ذلك على العكس ؛ لِما أن وقوعَ الجزاءِ بطريق الاجتماعِ المناسبِ للجمعية ، ووقوعَ ما في حيز الصلةِ ، وما يترتب عليه بطريق الافتراقِ والتعاقُب الملائمِ للإفراد ،