إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } ، أي : إذا أنزلنا آيةً من القرآن مكان آية منه ، وجعلناها بدلاً منها بأن نسخناها بها . { والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ } ، أولاً وآخِراً ، وبأن كلاًّ من ذلك ما نزلت حيثما نزلت إلا حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحة ، فإن كل وقت له مقتضًى غيرُ مقتضى الآخَر ، فكم من مصلحة في وقت تنقلب في وقت آخرَ مفسدةً وبالعكس ، لانقلاب الأمورِ الداعية إلى ذلك ، وما الشرائعُ إلا مصالحُ للعباد في المعاش والمعاد ، تدور حسبما تدور المصالحُ ، والجملةُ إما معترضةٌ لتوبيخ الكفرةِ والتنبيهِ على فساد رأيهم ، وفي الالتفات إلى الغَيبة مع إسناد الخبرِ إلى الاسم الجليلِ المستجمِع للصفات ما لا يخفى من تربية المهابةِ وتحقيقِ معنى الاعتراض ، أو حالية ، وقرئ بالتخفيف ، من الإنزال . { قَالُواْ } ، أي : الكفرة الجاهلون بحكمة النسخ . { إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ } ، أي : متقوّلٌ على الله تعالى ، تأمر بشيء ، ثم يبدو لك فتنهى عنه ، وحكايةُ هذا القول عنهم هاهنا للإيذان بأن ذلك كَفْرةٌ ناشئةٌ من نزغات الشيطان ، وأنه وليُّهم . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : لا يعلمون شيئاً أصلاً ، أو لا يعلمون أن في النسخ حِكَماً بالغةً ، وإسنادُ هذا الحكمِ إلى الأكثر ؛ لما أن منهم مَنْ يعلم ذلك ، وإنما ينكره عِناداً .