إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

{ أولئك } إشارة إلى الصابرين باعتبار اتصافِهم بما ذكر من النعوت ، ومعنى البعد فيه للإيذان بعلوِّ رُتبتِهم { عَلَيْهِمْ صلوات من رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ } الصلاةُ من الله سبحانه المغفرةُ والرأفةُ ، وجمعُها للتنبيه على كثرتها وتنوُّعِها والجمعُ بينها وبين الرحمةِ للمبالغة كما في قوله تعالى : { رَأْفَةً وَرَحْمَةً } [ الحديد ، الآية 27 ] { رَؤوفٌ رحِيمٌ } [ البقرة ، الآية 117 و128 . وسورة النور ، الآية 20 . وسورة الحشر ، الآية 10 ] والتنوين فيهما للتفخيم ، والتعرضُ لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهارِ مزيدِ العناية بهم أي أولئك الموصوفون بما ذُكر من النعوت الجليلةِ عليهم فنونُ الرأفةِ الفائضةِ من مالك أمورِهم ومبلِّغِهم إلى كمالاتها اللائقةِ بهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « من استرجعَ عند المصيبةِ جَبر الله مصيبَته وأحسن عُقباه وجعل له خَلَفاً صالحاً يرضاه » { وَأُوْلئِكَ } إشارةٌ إليهم إما بالاعتبار السابقِ ، والتكريرُ لإظهارِ كمالِ العناية بهم ، وإما باعتبار حيازتِهم لما ذُكر من الصلوات والرحمة المترتبِ على الاعتبار الأول ، فعلى الأول المرادُ بالاهتداء في قوله عز وجل : { هُمُ المهتدون } هو الاهتداءُ للحق والصواب مطلقاً لا الاهتداءُ لما ذكر من الاسترجاعِ والاستسلامِ خاصة ، لما أنه متقدمٌ عليهما فلا بدّ لتأخيره عما هو نتيجةٌ لهما من داعٍ يوجبُه ، وليس بظاهر . والجملة اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله كأنه قيل : وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حقَ وصواب ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى ، وعلى الثاني هو الاهتداءُ والفوزُ بالمطالب ، والمعنى أولئك هم الفائزون بمباغيهم الدينيةِ والدنيويةِ فإن مَنْ نال رأفةَ الله تعالى ورحمتَه لم يفُتْه مَطلبٌ .