إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى } أي عن الهدى الذاكرِ لي والداعي إليّ { فَإِنَّ لَهُ } في الدنيا { مَعِيشَةً ضَنكاً } ضيقاً ، مصدرٌ وصف به ولذلك يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ ، وقرئ ضنكى كسَكْرى وذلك لأن مجامعَ همتِه ومطامحَ نظرِه مقصورةٌ على أعراض الدنيا وهو متهالكٌ على ازديادها وخائفٌ على انتقاصها بخلاف المؤمنِ الطالبِ للآخرة ، مع أنه قد يضيق الله تعالى بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة } وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض } وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب آمَنُواْ } إلى قوله تعالى : { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } وقيل : هو الضَّريعُ والزقومُ في النار ، وقيل : عذاب القبر { وَنَحْشُرُهُ } وقرئ بسكون الهاء على لفظ الوقفِ وبالجزم عطفاً على محل ( فإن له معيشةً ضنكاً ) لأنه جواب الشرط { يَوْمَ القيامة أعمى } فاقدَ البصر كما في قوله تعالى : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } لا أعمى عن الحجة كما قيل .