إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي} (94)

{ قَالَ يا ابن أُمَّ } خَصّ الأمَّ بالإضافة استعظاماً لحقها وترقيقاً لقلبه لا لما قيل من أنه كان أخاه لأم فإن الجمهورَ على أنهما كان شقيقين { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } أي ولا بشعر رأسي ، روي أنه عليه السلام أخذ شعرَ رأسِه بيمينه ولحيتَه بشماله من شدة غيظِه وفرْطِ غضبِه لله ، وكان عليه السلام حديداً متصلّباً في كل شيء فلم يتمالكْ حين رآهم يعبدون العجلَ ففعل ما فعل وقوله تعالى : { إِنّي خَشِيتُ } الخ ، استئنافٌ سيق لتعليل موجبِ النهي ببيان الداعي إلى ترك المقاتلةِ وتحقيقِ أنه غيرُ عاصٍ لأمره بل ممتثلٌ به ، أي إني خشيتُ لو قاتلت بعضَهم ببعض وتفانَوا وتفرقوا { أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرائيلَ } برأيك مع كونهم أبناءَ واحدٍ كما ينبئ عنه ذكرُهم بذلك العنوان دون القوم ونحوِه ، وأراد عليه السلام بالتفريق ما يستتبعه القتالُ من التفريق الذي لا يرُجى بعده الاجتماعُ { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } يريد به قولَه عليه السلام : اخلُفني في قومي وأصلح الخ ، يعني إني رأيت أن الإصلاحَ في حفظ الدَّهْماءِ والمداراةِ معهم إلى أن ترجِع إليهم فلذلك استأنيتُك لتكون أنت المتدارِكَ للأمر حسبما رأيت لاسيما وقد كانوا في غاية القوةِ ونحن على القلة والضّعف كما يُعرب عنه قوله تعالى : { إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } .