إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

{ وَمَا هذه الحياة الدنيا } إشارةُ تحقيرٍ وازدراءٍ للدُّنيا وكيفَ لا وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كانت الدُّنيا تزنُ عندَ الله جناحَ بَعُوضةٍ ما سَقَى الكافرَ منها شَرْبةَ ماءٍ{[637]} ) { إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } أي إلا كما يُلهى ويلعبُ به الصبيانُ يجتمعون عليهِ ويبتهجون به ساعةً ثم يتفرَّقُون عنه { وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان } أي لهيَ دارُ الحياةِ الحقيقية لامتناعِ طريانِ الموتِ والفناءِ عليها أو هي في ذاتِها حياةٌ للمبالغةِ . والحيوانُ مصدرُ حَيِيَ سُمِّيَ بهِ ذُو الحياة وأصلُه حَيَيانُ فقُلبتْ الياءُ الثَّانيةُ واواً لما في بناءِ فَعَلان من مَعْنى الحَرَكةِ والاضطرابِ اللازم للحَيَوان ولذلك اختِير على الحياةِ في هذا المقامِ المُقتضي للمبالغةِ { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي لما آثرُوا عليها الحياةَ الدُّنيا التي أصلُها عدمُ الحياةِ ثمَّ ما يحدثُ فيها من الحَيَاةِ عارضةٌ سريعةُ الزَّوالِ وشيكةُ الاضمحلالِ


[637]:أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب (13).