إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمنوا } لما نهاهم الله عز وجل عن موالاة الكفرة وعلّله بأن بعضَهم أولياءُ بعض لا يُتصوَّرُ ولايتُهم للمؤمنين ، وبين أن من يتولاهم يكون من جملتهم ، بيَّن هاهنا من هو وليُّهم بطريقٍ قصَرَ الولايةَ عليه كأنه قيل : لا تتخذوهم أولياءَ ، لأن بعضَهم أولياءُ بعضٍ وليسوا بأوليائكم ، إنما أولياؤكم الله ورسولُه والمؤمنون فاختصُّوهم بالموالاة ولا تتخطّوهم إلى غيرهم ، وإنما أفرد الوليَّ مع تعدده للإيذان بأن الولايةَ أصالةً لله تعالى وولايتُه عليه السلام ، وكذا ولايةُ المؤمنين بطريقِ التبعية لولايتِه عز وجل { الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة } صفة للذين آمنوا لجرَيانه مجرى الاسمِ أو بدلٌ منه أو نصْبٌ على المدح أو رفعٌ عليه { وَهُمْ رَاكِعُونَ } حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى ، وقيل : هو حال مخصوصةٌ بإيتاء الزكاة ، والركوعُ ركوعُ الصلاة ، والمراد بيانُ كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه ، ورُوي أنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكعٌ فطرح إليه خاتمه كأنه كان مرجاً{[174]} في خِنْصَرِه غيرَ محتاجٍ في إخراجه إلى كثير عمل يؤدِّي إلى فساد الصلاة ، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعلِه رضي الله عنه ، وفيه دلالة على أن صدقة التطوُّع تسمّى زكاةً .


[174]:مرج الخاتم في اليد: قلق، إذا اتسعت حلقته عن الإصبع.