وقوله تعالى : { فَتَرَى الذين في قُلُوبِهِم مرضٌ } بيان لكيفية توليهم ، وإشعارٌ بسببه وبما يؤول إليه أمرُهم ، والفاء للإيذان بترتُّبه على عدم الهداية ، والخطابُ إما للرسول صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين ، وإما لكل أحدٍ ممن له أهليةٌ له ، وفيه مزيدُ تشنيع للتشنيع ، أي لا يهديهم بل يذرهم وشأنَهم فتراهم الخ ، وإنما وُضع موضعَ الضمير الموصولُ ليُشارَ بما في حيز صلته إلى أن ما ارتكبوه من التولي بسبب ما في قلوبهم من مرض النفاق ورَخاوة العَقْد في الدين ، وقوله تعالى : { يسارعون فِيهِمْ } حال من الموصول والرؤية بصرية ، وقيل : مفعولٌ ثانٍ والرؤية قلبية ، والأول هو الأنسبُ بظهور نفاقهم ، أي تراهم مسارعين في موالاتهم ، وإنما قيل : فيهم مبالغةً في بيان رغبتِهم فيها وتهالُكِهم عليها ، وإيثارُ كلمة ( في ) على كلمة ( إلى ) للدلالة على أنهم مستقرون في الموالاة ، وإنما مسارعتُهم من بعضِ مراتبها إلى بعضٍ آخر منها كما في قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ يسارعون في الخيرات } [ المؤمنون ، الآية 61 ] لا أنهم خارجون عنها متوجِّهون إليها كما في قوله تعالى : { وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ من رَبّكُمْ وَجَنَّةٍ } [ آل عمران ، الآية 133 ] وقرئ ( فيَرى ) بياء الغَيْبة على أن الضمير لله سبحانه ، وقيل : لمن تصِحُّ منه الرؤية ، وقيل : الفاعل هو الموصولُ والمفعول هو الجملة على حذف أن المصدرية ، والرؤية قلبية أي ويرى القومُ الذين في قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم ، فلما حُذفت أنْ انقلب الفعلُ مرفوعاً كما في قول من قال :
ألا أيُّهذا الزَّاجِريْ أحْضُرُ الوغى *** [ وأن أشهَدَ اللَّذاتِ هل أنت مُخْلدي ]{[172]}
والمراد بهم عبدُ اللَّه بنُ أُبيّ وأضرابُه الذين كانوا يسارعون في مُوادَّةِ اليهود ونَصارى نجرانَ ، وكانوا يعتذرون إلى المؤمنين بأنهم لا يأمنون أن تصيبَهم صروفُ الزمان وذلك قوله تعالى : { يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } وهو حال من ضمير يسارعون ، والدائرةُ من الصفات الغالبة التي لا يُذكر معها موصوفُها ، أي تدور علينا دائرةٌ من دوائر الدهر ودَوْلةٌ من دُولِه بأن ينقلبَ الأمرُ وتكون الدولةُ للكفار ، وقيل : نخشى أن يصيبنا مكروهٌ من مكاره الدهر كالجدْب والقَحْط فلا يعطونا المِيرةَ والقَرْض . روي ( أن عبادة بنَ الصامت رضي الله تعالى عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي مواليَ من اليهود كثيراً عددُهم وإني أبرأ إلى الله ورسولِه من وَلايتهم ، وأُوالي الله ورسوله . فقال عبد اللَّه بنُ أُبي : إني رجل أخاف الدوائرَ لا أبرأ من وِلاية مواليَّ ) وهم يهودُ بني قَيْقُناع ، ولعله يُظهرُ للمؤمنين أنه يريد بالدوائر المعنى الأخيرَ ويُضمِرُ في نفسه المعنى الأول وقوله تعالى : { فَعَسَى الله أَن يَاتِي بالفتح } رد من جهة الله تعالى لعللهم الباطلة وقطعٌ لأطماعهم الفارغة وتبشيرٌ للمؤمنين بالظفر ، فإن ( عسى ) منه سبحانه وعدٌ محتوم ، لما أن الكريمَ إذا أطْمَعَ أطعم لا محالة فما ظنك بأكرمِ الأكرمين ؟ و( أن يأتي ) في محل النصب على أنه خبرُ عسى وهو رأي الأخفش ، أو على أنه مفعول به وهو رأيُ سيبويه ، لئلا يلزَمَ الإخبارُ عن الجُثَّة بالحدَث كما في قولك : عسى زيد أن يقوم ، والمراد بالفتح فتحُ مكةَ ، قاله الكلبي والسُّديّ ، وقال الضحاك : فتحُ قُرى اليهودِ من خيبرَ وفَدَك ، وقال قَتادة ومقاتِلٌ : هو القضاءُ الفصلُ بنصره عليه الصلاة والسلام على من خالفه وإعزازِ الدين { أَوْ أَمْرٍ منْ عِندِهِ } بقطع شأفةِ اليهود من القتل والإجلاء { فَيُصْبِحُوا } أي أولئك المنافقون المتعلَّلون بما ذُكر وهو عطفٌ على ما يأتي داخلٌ معه في حيز خبرِ عسى ، وإن لم يكن فيه ضميرٌ يعود إلى اسمها ، فإن فاء السببية مغنيةٌ عن ذلك ، فإنها تجعل الجملتين كجملة واحدة { على مَا أَسَرُّوا في أَنفُسِهِمْ نادمين } وهو ما كانوا يكتمونه في أنفسهم من الكفر والشك في أمره عليه الصلاة والسلام ، وتعليقُ الندامة به لا بما كانوا يُظهرونه من موالاة الكفرة لِما أنه الذي كان يحمِلُهم على الموالاة ويُغريهم عليها فدل ذلك على ندامتهم عليها بأصلها وسببها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.