إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٞ وَرِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغۡفَرُ لَنَا وَإِن يَأۡتِهِمۡ عَرَضٞ مِّثۡلُهُۥ يَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ يُؤۡخَذۡ عَلَيۡهِم مِّيثَٰقُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن لَّا يَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (169)

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ } أي من بعد المذكورين { خَلْفٌ } أي بدلُ سوءٍ ، مصدرٌ نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع ، وقيل : جمع وهو شائعٌ في الشر والخَلَفُ بفتح اللام في الخير ، والمرادُ به الذين كانوا في عصر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم { وَرِثُواْ الكتاب } أي التوراةَ من أسلافهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى } استئنافٌ مسوقٌ لبيان ما يصنعون بالكتاب بعد وراثتِهم إياه أي يأخذون حُطامَ هذا الشيءِ الأدنى أي الدنيا من الدنو أو الدناءة ، والمرادُ به ما كانوا يأخذونه من الرِّشا في الحكومات وعلى تحريف الكلام وقيل : حال من واو ورثوا { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } ولا يؤاخذُنا الله تعالى بذلك ويتجاوز عنه ، والجملةُ تحتمل العطفَ والحالية ، والفعلُ مسندٌ إلى الجار والمجرور ، أو مصدر يأخذون { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } حال من الضمير في لنا أي يرجون المغفرةَ والحال أنهم مُصِرّون على الذنب عائدون إلى مثله غيرَ تائبين عنه { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم ميثَاقُ الكتاب } أي الميثاقُ الواردُ في الكتاب { أَن لاَّ يقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق } عطفُ بيانٍ للميثاق أو متعلقٌ به أي بأن لا يقولوا الخ ، والمرادُ به الردُّ عليهم والتوبيخُ على بتّهم القولَ بالمغفرة بلا توبةٍ والدِلالةُ على أنها افتراءٌ على الله تعالى وخروجٌ عن ميثاق الكتاب { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } عطفٌ على ألم يؤخذ من حيث المعنى فإنه تقريرٌ أو على ورِثوا وهو اعتراض { والدار الآخرة خَيْرٌ للَّذِينَ يَتَّقُونَ } ما فعل هؤلاء ، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } فتعلموا ذلك فلا تستبدلوا الأدنى المؤدّي إلى العقاب بالنعيم المخلّد ، وقرىء بالياء وفي الالتفات تشديدٌ للتوبيخ .