إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

{ واتل عَلَيْهِمْ } عطفٌ على المضمر العاملِ في إذ أخذ واردٌ على نمطه في الإنباء عن الحَوْر بعد الكَوْر{[308]} والضلالةِ بعد الهدى أي واتل على اليهود { نَبَأَ الذي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا } أي خبَره الذي له شأنٌ وخطر ، وهو أحدُ علماءِ بني إسرائيلَ . وقيل : هو بلعمُ بنُ باعوراءَ أو بلعامُ بنُ باعر من الكنعانيين أوتي علمَ بعضِ كتبِ الله تعالى ، وقيل هو أُميةُ بنُ أبي الصَّلْت وكان قد قرأ الكتبَ وعلم أن الله تعالى مرسِلٌ في ذلك الزمان رسولاً ، ورجا أن يكون هو الرسولَ فلما بعث الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم حسَده وكفر به ، والأولُ هو الأنسبُ بمقام توبيخ اليهود بهَناتهم { فانسلخ مِنْهَا } أي من تلك الآيات انسلاخَ الجِلد من الشاة ولم يُخطِرْها بباله أصلاً أو أُخرج منها بالكلية بأن كفر بها ونبذها رواء ظهرِه ، وأياً ما كان فالتعبيرُ عنه بالانسلاخ المنبيء عن اتصال المحيطِ بالمُحاط خلقةً وعن عدم الملاقاة بينهما أبداً للإيذان بكمال مباينتِه للآيات بعد أن كان بينهما كمالُ الاتصال { فَأَتْبَعَهُ الشيطان } أي تبعه حتى لحِقه وأدركه فصار قريناً له وهو المعنى على قراءة فاتّبعه من الافتعال ، وفيه تلويحٌ بأنه أشدُّ من الشيطان غَوايةً أو أتبعه خُطُواتِه { فَكَانَ مِنَ الغاوين } فصار من زمرة الضالين الراسخين في الغَواية بعد أن كان من المتهدين ، وروي أن قومه طلبوا إليه أن يدعوَ على موسى عليه السلام فقال : كيف أدعوا على مَنْ معه الملائكة ؟ فلم يزالوا به حتى فعل ، فبقُوا في التيه ، ويرده أن التيهَ كان لموسى عليه السلام رَوْحاً وراحة ، وإنما عُذب به بنو إسرائيل وقد كان ذلك بدعائه عليه السلام عليهم كما مر في سورة المائدة .


[308]:الحور: النقص. والكور: الزيادة. يقال: نعوذ بالله من الحور بعد الكور.