الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } قرأ العبادلة : عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير ، والحسن ، وأبو جعفر ، وابن عامر وأيوب ، وأهل الكوفة : ( حامية ) بالألف ، أي حارة . ويدل عليه ما [ أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله بن سليمان عن عثمان بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن سفيان بن الحسين عن الحكم ابن عيينة عن ] إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ قال : كنت ردف النبّي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أبا ذر أين تغرب هذه ؟ " . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها تغرب في عين حامية " .

وقال عبد الله بن عمرو : " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال : " في نار الله الحامية ، في نار الله الحامية فلولا ما يزعمها من أمر الله عزّ وجلّ لأحرقت ما على الأرض " " .

وقرأ الباقون : { حَمِئَةٍ } مهموزة بغير ألف ، يعني : ذات حمأة ، وهي الطينة السوداء . يدل عليه ما روى سعد بن أوس عن مصرع بن يحيى عن ابن عباس قال : أقرأنيها أُبيّ بن كعب كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم { تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } وقال كعب : أجدها في التوراة : ( في عين سّوداء ) ، فوافق ابن عباس . أبو أسامة عن عمرو بن ميمون قال : سمعت أبا حاضر أو ابن حاضر رجل من الأزد يقول : سمعت ابن عباس يقول : إنّي لجالس عند معاوية إذ قرأ هذه الآية : ( وجدها تغرب في عين حامية ) فقلت : ما نقرؤها إلاّ { حَمِئَةٍ } . فقال معاوية لعبد الله بن عمر : وكيف تقرؤها ؟ قال : كما قرأتها يا أمير المؤمنين . قال ابن عباس : فقلت : في بيتي نزل القرآن . فأرسل معاوية إلى كعب ، فجاءه فقال : أين تجد الشمس تغرب في التوراة يا كعب ؟ قال : أما العربية فأنتم أعلم بها ، وأما الشمس فإنّي أجدها في التوراة تغرب في ماء وطين . قال : فقلت لابن عباس : لو كنت عندكما لانشدت كلاماً تزداد به نصرة في قولك : { حَمِئَةٍ } . قال ابن عباس : فإذن ما هو ؟ فقلت : قول تبع :

قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً *** ملِكاً تدين له الملوك وتسجد

بلغ المشارق والمغارب يبتغي *** أسباب أمر من حكيم مرشد

فرأى معاد الشمس عند غروبها *** في عين ذي خلب وثأط حرمد

قال : فقال ابن عباس : ما الخلب ؟ قلت : الطين بكلامهم . قال : فما الثأط ؟ قلت : الحمأة . قال : وما الحرمد ؟ قلت : الأسود . قال : فدعا رجلاً أو غلاماً ، فقال : اكتب ما يقول هذا . وقال أبو العالية : بلغني أن الشمس في عين ، تقذفها العين إلى المشرق .

{ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } ، يعني ناساً { قُلْنَا يذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } : إما أن تقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } ، أي تعفو وتصفح . وقيل : تأسرهم فتعلّمهم وتبصّرهم الرّشاد .