الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

{ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ } . الآية نزلت في قوم من أهل الصفّة تمنوا سعة الدّنيا والغنى . قال خباب بن لادن : فينا نزلت هذه الآية وذلك إنّا نظرنا إلى بني قريظة والنضير وبني القينقاع ، فتمنيناها فأنزل الله تعالى { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ } أي وسع الرزق لعباده .

{ لَبَغَوْاْ فِي الأَرْضِ } أي لطغوا وعصوا . قال ابن عباس : بغيهم ظلماً ، منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس .

أخبرنا الحسين بن محمد بن إبراهيم التبستاني الإصبهاني ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن العباس العصمي الهروي ، أخبرني محمد بن علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن صالح الكرابيسي ، يقول : سمعت قصير بن يحيى يقول : قال : شقيق بن إبراهيم في قول الله تعالى : { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأَرْضِ } ، قال : لو رزق الله العباد من غير كسب وتفرغوا عن المعاش والكسب لطغوا في الأرض وبغوا وسعوا في الأرض فساداً ، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش رحمة منه وامتناناً .

{ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } أرزاقهم { بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } لكفايتهم . قال مقاتل : { وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } فجعل واحداً فقيراً وآخراً غنياً .

{ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } . قال قتادة : في هذه الآية كان يقال : خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك ، وذكر لنا إنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخوف ما أخاف على أمتي ، زهرة الدّنيا وكثرتها " .

أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن شنبه ، حدثنا أبو جعفر محمد بن الغفار الزرقاني ، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد الدمشقي ، حدثنا صدقة بن عبد الله ، حدثنا عبد الكريم الجزري ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل ( عليه السلام ) ، عن ربّه عزّ وجلّ قال : " من أهان لي وليّاً ، فقد بارزني بالمحاربة ، وإنّي لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي ، وإنّي لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ، ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره إساءته ، ولا بد له منه ، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ولسانا ويداً ومؤيداً ، إن سألني أعطيته وإن دعاني استجبت له وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة ، ولو أعطيته إياه دخله العجب فأفسده ، وإنّ من عبادي المؤمنين ، لمن لا يصلحه إلاّ السقم ولو صححته لأفسدهُ ذلك ، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الصحّة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك ، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك . إنّي أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إنّي عليمٌ خبيرٌ " .

قال صدقة : وسمعت أبان بن أبي عياش يحدث بهذا الحديث ، عن أنس بن مالك ثمّ يقول : اللّهمّ إنّي من عبادك المؤمنين الّذين لا يصلحهم إلاّ الغنى فلا تفقرني .